تحولت مطالبات شبابية في مدينة معان جنوب الأردن بفرص عمل وتخفيف القبضة الأمنية لتمكينهم من العمل في تهريب البضائع إلى الدول المجاورة لكي يتمكنوا من توفير لقمة العيش لأبنائهم وأسرهم في مدينة تغيب عنها التنمية والاستثمارات، إلى عصيان مدني ومواجهات مسلحة مع الدولة التي لم تجد غير الخيار الأمني لمعالجتها. وعلى مدى تاريخ الدولة الأردنية عمل شباب مدينة معان الصحراوية في الوظائف الحكومية والعسكرية، فيما لجأ آخرون إلى تجارة التهريب عبر الحدود، غير أن ازدياد عدد السكان في المدينة أوجد فئة من الشباب المتعلم وغير المتعلم على السواء تجمعهم البطالة بعدما عجزت مؤسسات الدولة التي تعاني أصلاً من عجز مستمر في موازنتها وترهلاً في وظائفها عن استيعابهم. واستمر تفاقم هذه المشكلة حتى وصلت إلى مرحلة الأزمة منذ سنوات، وسط عجز كامل للدولة عن حلها، إلا من بعض الوعود التي أطلقها مسؤولون من الصف الرابع والخامس وكثيراً ما كانت تذهب أدراج الرياح. ووسط هذه البيئة الحبلى بالفوضى والمضطربة بالتوجهات والولاءات السياسية توالد الكثير من الخارجين عن القانون الذين رضعوا من مشهد المعاناة وحالة التهميش التي يشعر بها كبارهم، على قاعدة التمييز بين المحافظات في التنمية المستدامة وتوجيه الاستثمارات، فأصبحت معان أزمة مفتوحة تنذر بشرر ثورة جياع، يصم المسؤولون آذانهم عن سماعها. وفي ظل حال التردي المعيشي والتجاذبات المناطقية التي تسود محافظة معان بين سكان مدينة وبادية والتي أودت بحياة كثيرين من الطرفين خلال السنوات القليلة الماضية، اختطف التيار السلفي الجهادي حال الاستياء التي يشعر بها معظم الشباب المعاني، وجير أصحابها إلى صفوفه، فأصبح له حضور لافت بين الشباب في المحافظة. وكثيراً ما أصبح هذا التيار يشكل «صداعاً» للمسؤولين الذين اضطروا إلى فتح الحدود مع سورية في وقت من الأوقات ليتوجه أفراده للجهاد هناك واستنفاد نشاطهم بعيداً من الأراضي الأردنية والمعادلات الداخلية التي تحكمها. وأخيراً أثمرت كل عوامل التردي التي تعيشها المدينة بعصيان مدني نفذته فاعليات شعبية وشبابية ومؤسسات مجتمع مدني في مدينة معان نهاية الأسبوع الماضي وإضراباً عاماً أعلنت فيه حال الحداد لمدة 3 أيام، أطلق شرارته مقتل شاب وإصابة آخر بتبادل إطلاق النار بين قوات الدرك ومطلوبين أثناء تنفيذ حملة أمنية. وانتقد رئيس بلدية معان الكبرى ماجد الشراري آل خطاب، ما سماه «الإجراءات الأمنية والسياسية المتبعة في المدينة وما ولدته من احتقان شعبي لدى أبناء المدينة»، لافتاً إلى أنه أوصل صورة الوضع القائم في المدينة إلى رئيس الحكومة وكبار المسؤولين في الدولة. والتزم الكثير من أصحاب المحال التجارية لمدة يومين بإغلاق محالهم، فيما تعرض عدد من أصحاب المحلات التي كانت تعمل للتهديد من قبل المحتجين بحرقها أو تخريبها والعبث بها، إذا لم يتم إغلاقها استجابة لدعوة الإضراب. وقامت مجموعات أخرى بإغلاق طرق فرعية ورئيسية بالإطارات المطاطية المشتعلة والحجارة وحاويات النفايات ومخلفات الاحتجاجات. وأكد عدد من مديري الدوائر الرسمية امتناع غالبية موظفيها عن الحضور إلى الدوام كالمعتاد، ما دفع بقية الموظفين إلى مغادرة دوائرهم، الأمر الذي أدى شلل تام في بعض الدوائر الخدماتية. كما أغلقت المصارف أبوابها تخوفاً من تعرضها للاعتداء والحريق، فيما امتنع كذلك موظفون في مؤسسات رسمية وخاصة من الذهاب إلى أعمالهم. وكان أهالي المدينة منعوا أبناءهم من الذهاب إلى مدارسهم استجابة لدعوة العصيان، فيما كان التواجد الأمني لافتاً في محيط المقار الأمنية وبعض المؤسسات الرسمية مثل المحكمة، في الوقت الذي خلت فيه معظم شوارع المدينة من ذلك. وفي ضوء تداعيات الحادثة، هددت فاعليات شعبية وشبابية في مدينة معان بالدخول في اعتصام مفتوح أمام مقر المحافظة، احتجاجاً على ما سمته «تقاعس أجهزة الحكومة وتخليها عن القيام بواجباتها الموكلة إليها». وأشارت الفاعليات خلال لقاء عقد في بلدية معان الكبرى بحضور شيوخ ووجهاء مدينة معان، إلى أنهم «سيلجأون إلى التصعيد في حال استمرت أجهزة الحكومة الرسمية والأمنية في المماطلة وتجاهل مطالب أبناء المدينة». وبحث المشاركون في اللقاء الذي سادته أجواء من التوتر والاحتقان الحملات الأمنية، مشيرين إلى أن «العديد من المطلوبين لقوا حتفهم بعد مطاردات أمنية ميدانية، فيما كان بالإمكان إلقاء القبض عليهم وتقديمهم إلى القضاء العادل». شباب