يختلف الناس على مفهوم المعارضة السياسية بسبب التباين الكبير في الأنظمة السياسية للدول. فهناك معارضة تقترن بالأحزاب السياسية الخاضعة لنظم وتشريعات تقنن أساليب العمل، ويخضع الجميع أو الأغلبية لمبادئها في أجواء من التنافس الذي يحقق المصالح العليا للدولة... وفي المقابل هناك معارضة تحدث في غياب الضوابط القانونية أو حتى الأخلاقية، ولا تحتكم لقواعد مؤسسية بسبب عدم وجود أحزاب سياسية مشهرة تعمل في ظل نظام ديموقراطي متفق عليه، وقوانين موجهة ومتحكمة في تصرفاتها.وهذا النوع من المعارضة في غياب نظام الأحزاب يوصف بأنه ظاهرة خلافية في الرأي والتوجهات بين الأفراد أو المجاميع التي تعمل في حالة معتادة من الفوضى من أجل خدمة مصالحها من دون النظر إلى المصالح العليا، أو المبادئ العامة لعلاقات الأفراد بالدولة، وفي هذه الأجواء يصعب ضبط إيقاعات الفوضى، وفهم حقيقة ما يدور أمام خلافات لا علاقة لها باحتياجات أو مطالب الغالبية السكانية.إن استقراء حالة المعارضة لدينا منذ أكثر من ثلاثة عقود يعكس أشكالاً متباينة من خلافات ونزاعات تكون دوافعها في الأغلب الطائفية والأيديولوجيات المتناحرة التي تعبر عن مقاصد أو مطالب التقسيمات الاجتماعية، والخلافات الدينية المتصارعة في الساحة السياسية، فالمعارضة في هذه الحالة تعبر عن الفوضى في العلاقات، وتهدف إلى كسب انتصارات تعزز مكانتها الاجتماعية والسياسية أو نفوذها أمام مجاميعها والتابعين لها.ولقد وجد من الدراسات الاجتماعية أن هذا النوع من المعارضة يفكك الوحدة الوطنية، ويمس الثوابت واستقرار المجتمع نتيجة إشغال الناس بالصراعات واختلاق المزيد من بؤر النزاعات التي تستهدف الحكومة والأفراد.لذلك فإن الاستمرار في معارضة لا تفيد المجتمع وإنما طوائف أو مجاميع معينة، هي معارضة في الفوضى السياسية، والتخلف، وتشجع الأعداء على المساس بالدولة، خصوصاً عندما تكون لمجاميع المعارضة أجندات ذات صلة بأيديولوجيات وأنظمة تعادي الدولة، وتضمر لها الشر.لهذا، فإن الحاجة إلى مراجعة ودراسة النظام السياسي القائم، وخصوصاً نظام انتخاب المجلس النيابي، وآليات التشكيل الحكومي، ونظام العمل والتعاون بين السلطتين وغيرها قد يستدعي تعديلات دستورية مهمة تساعد على تجنب الصراع بين الكتل والجماعات، وتتيح المزيد من العناية بالمواطن، وبأهمية أولويات قضاياه في السكن والتعليم والصحة والخدمات والأمن وغيرها.إن إحداث تغييرات واقعية في النظام السياسي من أجل الاستقرار ومعالجة المشكلات هو اتجاه داعم للوحدة الوطنية، ووقف للاختلالات الحالية لجماعات وتيارات سياسية، للأسف لا تتردد في الإهانة للدولة، والتطاول عليها في الداخل والخارج غير خائفة من القانون أو الأحكام الجزائية المعروفة مسبقاً والتي تدخل المسيء للدولة السجن، والخضوع للعقاب.إن المعارضة الهادفة هي التي تتصف بالرغبة في معالجة مشكلات الدولة وفق الأسس الموضوعة والتي تخدم الشأن العام. لذلك فهي معارضة مطلوبة لأنها تضع المصالح العليا في مقدمة كل الأشياء، وبالتالي حاجتنا إليها كبيرة مادامت معارضة رشيدة تصب في خدمة الوطن.yaqub44@hotmail.com