واشنطن: بيلي كينبر عندما اصطدمت الطائرة الأولى بمبنى مركز التجارة العالمي في 11 سبتمبر (أيلول)، ذلك اليوم الذي أدى إلى إعادة تعريف دور مكتب التحقيقات الفيدرالي الذي كان روبرت مولر قد عين للتو مديرا له، لم يعتقد مولر أنه عمل إرهابي وظن أن الطائرة قد انحرفت عن مسارها في ذلك اليوم الذي كان فيه الطقس رائعا. وقال مولر: «أتذكر عندما رأيت أول طائرة وهي تصطدم ببرج التجارة العالمي وقلت لنفسي حينها: إنه يوم جميل، لقد انحرف شخص ما عن مساره بالطبع، وهو ما أدى إلى اصطدام الطائرة بالبرج». وبعد وقت وجيز، كان هناك محادثة هاتفية بين مولر والرئيس الأميركي السابق جورج بوش، الذي قال: «لا يمكننا أن نسمح بحدوث هذا مجددا». تولى مولر إدارة مكتب التحقيقات الفيدرالي (إف بي آي) قبل أسبوع واحد من هجمات 11 سبتمبر، ووجد نفسه مطالبا بإعادة تشكيل المكتب وتحويله من قوة لمكافحة الجرائم المحلية إلى خدمة استخباراتية تلعب دورا محوريا في مكافحة الإرهاب. وقال مولر في لقاء نادر مع صحافيين في غرفته الخاصة لتناول الطعام في مقر مكتب التحقيقات الفيدرالي قبل أيام قليلة: «أحب المحاكمات والقيام بالتحقيقات، لا سيما تحقيقات جرائم القتل وما شابه ذلك، وهذا هو السبب في أنني أصبحت مدعيا عاما. ولم أكن أتوقع أن أقضي وقتي في منع وقوع هجمات إرهابية». الآن، وبعد 12 عاما (تم تمديد فترة ولايته بقرار من الكونغرس ليتجاوز الحد الأقصى المسموح به وهو عشر سنوات) يتنحى مولر، 69 عاما، عن منصبه كأعلى مسؤول إنفاذ قانون في الولايات المتحدة، وسيكون آخر يوم له في هذا المنصب هو الرابع من سبتمبر (أيلول) المقبل. يقول مولر: «أعتقد أن الأمر قد استغرق مني بعض الوقت لكي أفهم تماما أن التدريب الذي حصلت عليه في مكتب التحقيقات الفيدرالي وإدارة مكافحة المخدرات وغيرها من الجهات التي كانت تحقق في الأعمال الإجرامية بعد وقوعها، لم تكن نموذجا لما سيحدث في المستقبل». يذكر أن نشاط مكتب التحقيقات الفيدرالي قد اتسع بشكل كبير عقب هجمات الحادي عشر من سبتمبر، حيث بدأ المكتب العمل في برنامج استخباراتي وفي مجال تكنولوجيا المعلومات وفتح 18 فرعا له في الخارج. وقد تم تعيين أكثر من نصف العاملين بالمكتب، والبالغ عددهم 36,000 شخص، بعد عام 2001. وقال مولر إن الكثير ممن سجلوا أسماءهم «توقعوا حماية الشعب الأميركي من الهجمات الإرهابية أو الهجمات الإلكترونية». يعمل مولر، وهو أحد المشاركين في حرب فيتنام، ساعات طويلة ويطالب موظفيه بالقيام بالشيء نفسه، مشيرا إلى أن هناك معيارا واضحا للحكم عليه. وقال مولر: «ثمة معيار وحيد هو منع كافة الهجمات. لو حدث هجوم واحد، فأنت غير ناجح». وبهذا المعيار، فقد فشل مكتب التحقيقات الفيدرالي في السنوات الأخيرة بسبب وقوع هجمات مثل تفجيري ماراثون بوسطن في أبريل (نيسان) الماضي وإطلاق النار في قاعدة فورت هود بتكساس عام 2009. وعندما سئل عن أسوأ لحظتين بالنسبة له، أشار مولر إلى حادثتين، قائلا: «أكره فقدان الناس، وأود أن أشير إلى أن أسوأ إحساس انتابني كان بعد وقوع حادثة فورت هود وما حدث في بوسطن». وأضاف مولر: «لا يعني هذا أنه كان بإمكاننا أن نمنع حدوث ذلك، فهذه تكهنات، ولكن حقيقة الأمر هي أنك تجلس مع أسر وعائلات الضحايا وترى الألم الذي يشعرون به، وهو ما يجعلك تتساءل ما إذا كان هناك شيء إضافي يمكنك القيام به لمنع حدوث ذلك». وصف مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي، الذي يتلقى طردا سريا للغاية كل يوم تقريبا منذ أكثر من عقد من الزمان، ما يرى أنه أخطر التهديدات التي تواجهها الولايات المتحدة، قائلا إن هذه التهديدات تشمل الهجمات الإرهابية الفردية، مثل الرجال المتهمين بتنفيذ هجمات فورت هود وبوسطن، وهم أشخاص متطرفون وتدربوا على تلك الهجمات عبر الإنترنت، و«هذه الهجمات هي الأكثر صعوبة بالنسبة لنا، من حيث تحديدها وتعطيلها قبل حدوث الهجمات». وقال مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي المنتهية ولايته إنه ما زال يشعر بالقلق من حدوث هجمات أخرى باستخدام طائرات، أو «أسلحة الدمار الشامل بأيدي الإرهابيين»، بما في ذلك الأسلحة الإلكترونية التي يمكنها شن هجمات على مؤسسات مالية أو قطاع الطاقة؛ وكذلك الفراغ الذي خلفته الاضطرابات التي تشهدها بلدان الشرق الأوسط من خلال ثورات الربيع العربي. واعترف مولر أن مكافحة الإرهاب ستظل الأولوية لمكتب التحقيقات الفيدرالي لبعض الوقت، لكنه دحض فكرة أن التركيز على الإرهاب قد منع مكتب التحقيقات الفيدرالي من محاسبة المسؤولين عن الأزمة المالية التي عصفت بالبلاد عام 2008، مشيرا إلى أن المكتب يسير وراء الدليل عندما يظهر. ودافع مولر بشدة عن برامج مراقبة وكالة الأمن الوطني التي تم الكشف عنها في الآونة الأخيرة، مؤكدا أن «الإعلام لم يتناول الرقابة والتعامل مع هذه البرامج بالشكل الكافي والمنصف، وأنها ليست بالضرورة وجهة نظر متوازنة». وقال مولر: «هذه البرامج مهمة للغاية، ليس فقط لمنع الهجمات الإرهابية، ولكن أيضا لمنع غيرها من التهديدات التي تواجهها الولايات المتحدة». وأضاف أن التسريبات التي تمت عن طريق العميل السابق لوكالة الأمن الوطني إدوارد سنودن كانت لها تأثيرات على جميع أنحاء العالم، ولكنه رفض الإدلاء بمزيد من التصريحات عندما طلب منه تفسير ذلك. واستغل مولر هذا الحوار مع الصحافيين يوم الأربعاء الماضي للتحذير من أن الآثار المترتبة على خفض الميزانية الفيدرالية «سوف يضرنا بشدة»، مضيفا: «سوف نواجه نقصا في عدد العملاء الذين يحصلون على إجازات العام المقبل، وهو ما يعني غياب العملاء المعنيين بالقيام بهذا النوع من التحقيقات التي لا غنى عنها لدى الرأي العام الأميركي». وقال مولر إن الخيارات القسرية بسبب الاقتطاع من الميزانية ستكون من بين أصعب القرارات التي سيواجهها خليفته في المنصب جيمس كومي، الذي وصفه بأنه «صديق جيد»، و«خيار ممتاز» و«مدع عام رائع». وعندما سئل ما إذا كان سيشتاق لهذه الوظيفة التي وصفها بأنها «أفضل منصب حكومي»، رد مولر بطريقة فلسفية: «بالتأكيد، أنت تعرف أنك ستشتاق إليها، ولكن الوقت قد حان للرحيل وقدوم شخص آخر». * خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»