يبدو أن فيروس كورونا جاء ليعلمنا شيئا جديدا لم نتعلمه من قبل، وهو أن الوعي مطلب مهم للتعامل مع شؤون الحياة، طيبها وخبيثها، خصوصا أننا قوم لا يحفلون بالتعليمات ولا الإرشادات ولا يعيرونها انتباههم إلا فيما ندر. ولذلك كان من حق بعض الرسائل وبعض محاضرات المتخصصين أن تركز على تجنب (الاستهتار)، خصوصا في المرافق الطبية، في التعامل مع هذا المرض أو الاقتراب منه. وقد استمعت إلى من نقل عن أحد الأطباء المحاضرين أنه قال إن أغلب الإصابات في المرافق الطبية تمت نتيجة لعدم أخذ الاحتياطات المطلوبة قبل فحص المريض أو التعامل مع حالته. أي أن هناك مقاييس يعرفها الأطباء والممرضون وكافة أعضاء طاقم العمل بالمستشفيات، إلا أن بعضهم يتهاون في اتباع هذه المقاييس ويتكلون على تقديراتهم الخاطئة. وإذا كان التهاون بمقاييس الاحتياطات من مرض معدٍ مثل كورونا يحدث ممن يفترض بهم الوعي الطبي وممن يحملون عبء مباشرته، فكيف سيكون حال الناس العاديين، ممن لديهم مصابون أو ممن هم معرضون لخطره بشكل أو بآخر.؟! ولذلك، رغم ما حمله وجه هذا الوباء من بشاعة ومصائب، فإن وجهه الآخر يطلق صيحة تحذير مدوية تجاه تعاملنا ــ كمجتمع وأفراد ــ مع المخاطر وكيف ندير حياتنا وتصرفاتنا إذا أحدقت بنا هذه المخاطر. أي أننا بصدد أزمة واضحة وبالغة في علاقتنا بالسلوك الصحيح، المقنن بالتعليمات والإرشادات والاحتياطات، حتى أننا لا نتحرك، لا على مستوى المؤسسات ولا على مستوى الأفراد، إلا إذا وقعت الفأس في الرأس. حينها، بعد أن ندفع أثمانا باهظة، نستدعي كل قوتنا وإمكانياتنا للمواجهة. وننسى دائما أن هناك ثقافة عامة يقوم بناؤها عبر خطط وبرامج وحملات تربي في الفرد المسؤولية تجاه نفسه وسلامته وسلامة الآخرين من حوله. ومثل هذه الخطط والبرامج التربوية أصبحت لها مدارس ومؤسسات كبرى، حكومية وغير حكومية، في كل دول العالم، الذي تتهدده الكثير من المخاطر والكوارث والأوبئة. وبقي علينا نحن أن ننضم إلى هذا الركب: ركب الوعي الشعبي المسبق بكل ما يحتمل حدوثه، وركب جاهزية الإنسان تربويا ليتقيد بكل ما ينصح به ويرشد إليه من القوانين والتعليمات، بدلا من أن يقع في مطبات الاستهتار التي تلقي به في المهالك، وتصل به ــ كما حدث مع كثيرين في أزمة كرونا ــ إلى أن يفقد حياته. اعقلوها وتوكلوا.