×
محافظة المنطقة الشرقية

الوحدة في مجموعة الأهلي المصري وداي والفيصلي

صورة الخبر

نأتي من بداية مظلمة بلا ألوان وننتهي إلى أخرى تماثلها، وعن تلك المسافة الملونة بينهما التي نسميها: "الحياة" سأتحدث. ما أن يولد الإنسان ويخرج إلى هذا العالم المضيء حتى تبدأ رحلته في العودة، العودة إلى أصله.. إلى منبعه الأول، لكن في طريق عودتنا هذا، ستواجهنا محطات ألم وكدر تارة، ومحطات سعادة وصفاء تارة أخرى.. ربما محطات الصفاء والسعادة لا نتردد أبداً في أن ندخلها ونزورها، بل وحتى أن نقيم بها أياماً وحتى شهوراً. أما محطات الألم والكدر قطعاً لن نتحمل البقاء فيها وربما لا نفكر مطلقاً في النزول بها، وحتى إننا لا نرتاد الطريق الذي يؤدي إليها. لكن هذا لا يعني أننا تخلصنا منها.. إننا إن لم نزُرها ستزورنا هي وتلاحقنا، ونحن نحاول الفرار منها، وتلتف حوالينا عندها أكثر وأكثر.. وتتقوى بهربنا مرة بعد مرة؛ لتنسج حولنا شباكها وتسقطنا فيها رغماً عنا. وكثيراً ما نفضل طريق مشاة أو ممراً جبلياً ضيقاً على أن نرتاد طريقاً معبداً يمر بها أو بجانبها، بل ويصل بنا الأمر مرات أخرى إلى أن نترجل ونعود على أعقابنا ملتفتين إلى الخلف تماماً، وذلك ليس إلا للفرار والهروب من مواجهتها، والأكثر من ذلك كله أننا قد نمكث ونتشبث بالنقطة والمكان الذي وصلنا إليه خلال سيرنا، حتى ولو كان هذا المكان وادياً غير ذي زرع أو قطعة من صحراء قاحلة مقفرة. حتى ولو كان مكاناً في زاوية مجهولة تماماً بالنسبة لنا في هذا الطريق، المهم أننا نتلافى مواجهة تلك المحطات، محطات الألم والشدة في طريقنا للعودة، حتى ولو كلفنا ذلك البقاء والمكوث في المجهول. طبعاً، ولا ندخر جهداً في أن نبرر هذا بأن كلا الأمرين، كلتا الوجهتين مجهولتان بالنسبة لنا، سواء ما نحن فيه أو ما سنقدم عليه.. إذن الأفضل أن نمكث! وهذا ربما، قد يخفف بعض الشيء من آلامنا وصداعنا وينسينا بعض هموم ومشقات الطريق، لكن في الحقيقة هذه التبريرات الواهية، التي نتشبث بها ونستسيغها في البداية، والتي تعمل عمل مهدئات الألم المؤقتة، لا تفتأ ونحن نتناولها، مرة إثر مرة لنسكن آلامنا أن يختفي مفعولها ويزول تأثيرها.. وربما تصير كل جرعة زائدة منها بمثابة فاتورة، ندفع ثمنها من أعصابنا، وقد تكلفنا حتى حياتنا وأعمارنا. وبين محطة وأخرى يفضل الكثير منا أن يترددوا، أن يتراجعوا.. أن يبقوا ويمكثوا بدل المواجهة والتحدي. يبقون متخفين وملتحفين تبريراتهم، وأعذارهم الواهية التي قد لا تصمد طويلاً، أمام الضربات المتتالية والأخطار الداهمة في هذا الطريق. ولكن، وفي خضم هذا الطريق، وهذه الدروب والمحطات الشائكة.. ينبثق النور، ويولد من يشق طريقه وسط هذه العتمة، ويبعث الأمل في النفوس مجدداً. لكنه لم يولد هكذا فجأة، إنه مخاض مؤلم، ولادة عسيرة جداً قد تعادل آلامها، أو تفوق آلام الولادة الطبيعية -على الأقل بالنسبة له- لأنه خلال الولادة الطبيعية يكون في مرحلة بالكاد فاقداً تماماً للإحساس معها، أو لم تتكون وتتهيأ بعد لديه، القابلية للألم أو الإحساس به، وحتى المدة الزمنية للحمل تختلف، ففي الطبيعية تكون فترة أقصاها تسعة أشهر، أما الثانية فقد تمتد لسنين وحتى عشرات السنين. إنه يولد من رحم الحياة.. من رحم كل تلك الآلام والمشاق والمعاناة. إنه بعدها لن يرضى بمنطق الجمود والركود، ومنطق الخوف والتردد؛ لأنها في الحقيقة كانت هي الرحم، التي لبث فيها كل هذا الوقت، وها قد خرج منها للتوِّ. وفي خلال هذه الأثناء، الكثير منا بل الغالبية، يظنون أنه وبمجرد ولادته الثانية هذه، وما إن يخرج من رحم الحياة سيتسنى له الانطلاق بسرعة البرق، من محطة لأخرى وسيطوي المسافات طياً، دون أن تواجهه أية صعوبات أو عراقيل مرة أخرى! لكن الأمر خلاف ذلك تماماً، وهذه نظرة قاصرة وفهم سطحي لسنن الحياة، وبعيد كل البعد عن نظام الحياة في التدرج والتغيير. إن الهلال لكي يصير بدراً مكتملاً، سيمر بمراحل نمو وتطور حتى يبلغ هذا الطور والاكتمال، والشجرة في حقيقتها لم تكن إلا بذرة، دفنت في رحم الأرض، وفي جوف التراب، وتوفرت لها مقومات وشروط الحياة فانطلقت شاقة طريقها، متحدية كل ما يواجهها، بعدما مكثت مدة في هذا الرحم؛ لتخرج بعدها إلى هذا العالم، ولتبدأ عندها رحلتها الجديدة مرة أخرى، نحو النمو والاكتمال، حتى تصير شجرة. إن كل محطة، وكل نقطة في طريق عودتنا هذا، تحمل في طياتها الكثير من الآلام والآمال، الكثير من الدروس والامتحانات.. وهي قد تأتي أحياناً على شكل مصائب ومشاكل، سواء شخصية أو اجتماعية، وقد تأتي في صورة بشر، وفي الغالب تأتي في ثوبٍ شرير ضيق، تضيق به نظرتنا لأنفسنا ولحياتنا، ولكل ما حولنا. لكن الذي يجب أن يحدث دوماً، ونحن كثيراً ما نستبعده أن تأتي، وتتشكل هذه الآلام والتجارب والامتحانات، في صورة هاوية عميقة تشتعل ناراً، وطبعاً هروبنا من مواجهتها، عندما كانت في البداية شرارة هو ما زاد في اضطرامها.. إذن لا مفر منها، لا يمكنك معها ارتياد طريق أخرى، ملتوية، تجنّبها أو تبتعد عنها. لا خيار لك، ولا خيار أمامك إلا المواجهة.. المواجهة! وهل هناك مَن يرضى أن يواجه ناراً مستعرة ملتهبة؟! نعم، لا مفر إما أن تواجهها مرة، أو ستواجهك كل مرة! لكن في هذه المواجهة لن ينفعك الماء؛ لأن هذه النار لا تريدك إلا أنت!.. أفرغ ما شئت من الماء!! نعم لا تريدك إلا أنت! في هذه المواجهة ستكون أنت هو الماء نفسه! وربما حتى أنت هو النار! لأن هذه النار، ليست ناراً عادية يطفئ لهيبها الماء! إنها قد تنطفئ هنا بالماء مرة، لكنها لا تلبث أن تعاود الظهور، والاشتعال مرة ومرات أخرى هنا وهناك. الماء إذن قد يخمد مؤقتاً حدتها، ولهيبها بعض الشيء لكن قطعاً لن يطفئها، ويُخمد جذوتها نهائياً أبداً! إذن لا تكن ماء.. وحتى لا تكن ناراً! لكن يا صديقي كن إبراهيم وواجه النار، كن أنت وواجه النار، عندها فقط ستصير النار برداً وسلاماً، بعدها فقط أنت ستنضج، إنها نار الحياة يا صديق، كن أنت إذن، وألقً بنفسك فيها، لا لكي تموت.. كن أنت وألقِ نفسك في النار؛ لتحيا وتُحيي مَن فيها. ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.