يثير انتحار الأدباء والمفكرين الدهشة والاستغراب فمن ملأوا سمع الناس وبصرهم بكتاباتهم وآرائهم وأشعارهم ومنحوا الناس الأمل، نجدهم يقضون على أنفسهم ويزهقون أرواحهم في حوادث غريبة وبشعة. لقد رصدت الكاتبة اللبنانية "جمانة حداد" في كتابها "سيجيء الموت وستكون له عيناك"، انتحار 150 أديبا وشاعرا في القرن العشرين منهم 15 أديبا عربيا! فما الذي دفع "آرنست همنجواي" صاحب الروائع الأدبية إلى التسلل من غرفته على أطراف أصابعه كي لا تشعر به زوجته، متوجها إلى حتفه وإطلاق النار على نفسه، هل إصابته بالزهايمر وخوفه من عدم الاستمرار في الكتابة، أم ضعف بصره، أم شيء خفي دفن سره معه؟! وهل قادت طفولة الكاتب الياباني "يوكيو ميشيما" البائسة للانتحار، بعد أن حرمته جدته من والدته وهو لم يتم شهره الأول، لتربيه كبطل ساموراي، وحرمه أبوه من الكتابة لفترة، أم لقوميته وصموده ضد الغزو الفكري الغربي! حيث أنهى حياته في مشهد مهيب، فبعد أن سلم آخر كتبه للمطبعة في صباح أحد أيام تشرين الثاني (نوفمبر) عام 1970 توجه مع جيشه الصغير الذي كونه من 98 مقاتلا إلى مقر كلية الأركان، واحتجز قائدها، ووجه خطابا للحشود، ثم استل خنجره وطعن نفسه على طريقة "الهيراكيري"، وكان قد أوصى أحد تلاميذه بعدم تركه يتعذب، مما جعله يقطع رأسه أمام الحشود وعدسات المصورين في بث حي! أما الكاتب الفرنسي "رومان جاري" الذي فاز في الخمسينيات بجائزة "جونكور" إحدى أرفع الجوائز الأدبية الفرنسية، فقد انتحر بعد أن دب خلاف بينه وبين "أميل آجار" الفائز بالجائزة نفسها في السبعينيات. وبعد انتحاره بعام فجر الكاتب "بول فلوفيتش" قنبلة مدوية وفضيحة أدبية، حين أعلن في كتابه أن جاري هو من كان يكتب لآجار حتى الرواية التي فازت، مما حدا بالكتاّب إلى شطب اسمه من قائمة الأدباء واستعاد جاري حقوقه الأدبية، فهل كان هروبه من ذاته وضجره من اسمه سببا في انتحاره؟! وتضم القائمة أسماء كثيرة منها "أرمان بارتيه" الشاعر الفرنسي المجنون، الذي انتحر بابتلاع المفتاح الحديدي للصندوق الذي يحوي كتبه! والشاعرة "سيلفيا بلات" التي أقدمت على الانتحار أكثر من مرة، إلا أنها لم تفلت من الأخيرة، حين وضعت رأسها داخل فرن الغاز، تاركة رقم طبيبها ليسعفها أحد، ولكن خاب ظنها! و"لازنيسكي" الذي كتب أسطرا وهو يحتضر، مفادها "أعيش دون وعي، قدماي تتجمدان.. وكي لا أجن أكتب.. أنا أموت.. أصمت"! وللمقالة بقية ..