في الحملة الأخيرة على الأزهر، أثير من بعض القساوسة الكلام عن مناهج الأزهر، وهو أمر لا يليق منهم، ودلالة واضحة على جهلهم بتاريخ وفضل الأزهر على كثير من الأقباط في مصر، حيث تعلم كثير منهم فيه، وتأثر عدد غير قليل منهم بعلمائه، فقد ذكرت صحيفة (الوطن) القبطية في 5 من مايو سنة 1916 أنه كان للأقباط قديما رواق بالأزهر يتلقون فيه العلوم المنطقية والشرعية، وهو ما يعرف تاريخيا باسم: (رواق الأقباط).[1]أقباط درسوا في الأزهر: أما الأقباط الذين درسوا في الأزهر، فيصعب حصرهم، لكن نحاول أن نذكر ما استطعنا الوصول إلى معلومات تفيدنا عمن درسوا فيه، وهم كالتالي: 1ـ أولاد العسال: وهم من كبار مثقفي القبط، ولهم مؤلفات مهمة في الدين المسيحي. ومنها: المجموع الصفوي للصفي العسال، وواضح أنه تأثر في كتابه بالفقه الإسلامي، من حيث تقسيم الكتاب، إلى قسمين: عبادات، ومعاملات، وفي عناوين أبوابه.[2] 2ـ الشيخ الرئيس ابن قيصر الأزهري، وقد ألف كتابا في نحو اللغة القبطية سماه التبصرة، على غرار مؤلفات النحو العربي. 3ـ الأسعد بن مماتي: وهو وزير صلاح الدين الأيوبي، وقد كان مسيحيا ثم أسلم، وقبل إسلامه، درس في الأزهر، علوم اللغة والفقه والشريعة، وهو شاعر ساخر، له ديوان يسخر فيه من بهاء الدين قراقوش، وإن كان قد ملأه بافتراءات على الرجل. 4ـ اسكندر نظير، وقد التحق بالأزهر وتخرج فيه، وقد نشأ في رعاية أحد كبراء طهطا. 5ـ الصحفي القبطي: جندي إبراهيم شحاتة صاحب جريدة (الوطن)، وقد تلقى دروسه في أحد الكتاتيب في مدينة جرجا بصعيد مصر، كما درس في الأزهر الشريف، تحت اسم: إبراهيم جندي، فتلقى علوم العربية والشريعة. 6ـ تادرس بن وهبة الطهطاوي توفي سنة 1934، الذي التحق بالأزهر، وحفظ القرآن الكريم، ودرس علوم الحديث والفقه واللغة، وعندما تقدم للامتحان النهائي بمدرسة الأقباط، كان يترأس الامتحان رفاعة الطهطاوي، ومن مؤلفاته: الخلاصة الذهبية في اللغة العربية، وعنوان التوفيق في قصة يوسف الصديق، ورواية تليماك، وامتاز أسلوبه بكثرة المحسنات اللفظية، ولا سيما الاقتباس من القرآن الكريم.[3] 7ـ وهبي تادرس: الشاعر المعروف، قال عنه معجم البابطين لشعراء العربية: (تادرس بن وهبة الطهطاوي المصري. ولد في القاهرة وتوفي فيها. قضى حياته في مصر. تعلم اللغتين الفرنسية والأرمنية بمدرسة الأرمن بالقاهرة، والعربية والإنجليزية والإيطالية بمدرسة الأقباط، ثم التحق بالأزهر - مع كونه مسيحيًا - فحفظ القرآن الكريم ودرس علوم الحديث والفقه. عمل مترجمًا بقلم الترجمة في نظارة المعارف، ثم مدرسًا بمدرسة الأقباط وترقى فيها إلى أن أصبح ناظر المدرسة، وشغل هذه الوظيفة حتى عام 1916). 8ـ فرنسيس العتر: قال عنه معجم البابطين: (فرنسيس بن بطرس العتر. ولد في القاهرة، وفيها توفي. عاش في مصر. تلقى تعليمه الأولــي، ثم درس اللاهـــوت وحصــل علــى شهــادة اللاهــوت والفلسفـــة. أجاد اللغة القبطية إلى جانب اللاتينية والفرنسية، وأخذ عن والده وكان من علماء الأقباط، كما تردد على مجالس الشيخ محمد عبده في الأزهر منذ (1902). 9ـ المعلم ميخائيل جرجس - المعلم ميخائيل البتانوني، قالت عنه: موسوعة الكنيسة القبطية: درس بالأزهر من سنة 1885-1891 م، وفي هذه الفترة أتقن علوم النحو والصرف والبيان، كما استمع إلى ألفية ابن مالك من الشيخ محمد بصرة. وخلال السنة الثانية من دراسته بالأزهر رأى البابا كيرلس في صوت هذا الناشئ وفي حفظه السليم لكل ما تلقَّنَه من الطقوس والألحان المؤهلات الوافية لرسامته شماسًا فرسمه بيده الكريمة. ولما أتمَّ ميخائيل دراسته بالأزهر عيَّنه البابا مرتلًا بالكاتدرائية المرقسية، وازداد تقدير البابا لهذا المرتل المحب لكنيسته فعينه أيضًا مدرسًا للألحان في الإكليريكية في 2 نوفمبر سنة 1893م. التي كان قد افتتحها قبل ذلك بسنة. كان قد التحق بالإكليريكية حال تخرجه في الأزهر وهناك درس اللاهوت والعقيدة على يديّ القمص فيلوثاؤس عوض، أما الألحان فقد تلقنها عن المعلمين أرمانيوس وصليب. وإلى جانب ذلك كان يحفظ اللغة القبطية عن ظهر قلب لقلة الكتب وخاصة المكتوبة بطريقة برايل. عينه المسؤولون سنة 1895م. مدرسًا لطقوس الكنيسة وعلم الدين واللغتين القبطية والعربية بمدرسة المكفوفين بالزيتون. انظر: إيريس حبيب المصري، قصة الكنيسة القبطية، الكتاب التاسع صفحة 171. [4] وهذا من كلام الأرثوذكس المصريين لا من كلام غيرهم، فهو أولا يثبت أن الدراسة لعدد من الأقباط كانت دراسة منهجية، فالرجل درس ست سنوات، أي دراسة منهجية كاملة، وانتهت بإتمام الدراسة. ثانيا: ولم ير البابا كيرلس وهو من رجال الإصلاح التعليمي في الكنيسة وفي تاريخ الأقباط في مصر في العصر الحديث، الذي جعله مرتلا حرجا في تعيينه مرتلا. لم ير بأسا أو ضيقا بأن يدرس هذا التلميذ القبطي ويكمل دراسته في الأزهر، بل ويشجعه على ذلك. ثالثا: وهو الأمر اللافت للنظر : هو أن معظم من تعلموا في الأزهر كانوا من أبناء الصعيد في مصر، وهي دلالة مهمة إذ تبين أن العلاقة بين المسيحيين والمسلمين كانت قائمة على المواطنة الكاملة، وعدم الحساسية التي بدأت تتسرب إلى المجتمع المصري فيما بعد، والتي أصبح الصعيد فيما بعد حكم العسكر مثار أحداث طائفية، لعل دارسا يعنى بهذه المسألة ويقف على أسبابها التاريخية والسياسية.أقباط تأثروا بعلماء الأزهر: وهناك أقباط تأثروا باحتكاكهم العلمي والأدبي بعلماء الأزهر، فكان لذلك أثره الأدبي والعلمي في كتاباتهم، وفي أدائهم العلمي والسياسي، ومن أشهر هؤلاء شخصيتان مهمتان: الزعيم القبطي المصري: مكرم عبيد، والكاتب الكبير الدكتور: نظمي لوقا. 1ـ مكرم عبيد: هذا الزعيم السياسي الكبير، والذي كان يستشهد في خطاباته بآيات من القرآن الكريم، وتربطه علاقة قوية بعلماء ومشايخ أزهريين وغير أزهريين، ومعلوم علاقته بالشيخ حسن البنا، وعندما اغتيل البنا، لم يجرؤ أحد أن يمشي في جنازته، ويذهب للعزاء، إلا قلة قليلة جدا، كان على رأسها: مكرم عبيد. [5] 2ـ نظمي لوقا: أما هذا الباحث المهم، فأفردنا له مساحة خاصة، لمكانة الرجل، وما قام به من كتابة عن الإسلام تتسم بالإنصاف، فقد كتب أكثر من كتاب، لكن أهمها على الإطلاق: كتابه: محمد الرسالة والرسول. وكتابه: محمد في حياته الخاصة، كان فيهما منصفا لأعلى درجات الإنصاف، وكتب يدافع فيهما عن الإسلام، وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ففي الكتاب الأول دافع فيها عن شخصية محمد صلى الله عليه وسلم، وفي كتابه الثاني، دافع عن تعدد زوجاته صلى الله عليه وسلم. أما سر إنصاف الرجل، فقد كان لعلاقته وتعلمه على يد شيخ أزهري، حكى ذلك بالتفصيل في مقدمة كتابه: (محمد الرسالة والرسول)، فقد عهد والده بابنه لشيخ أزهري كفيف، يعلمه القرآن واللغة والأدب، وظل فترة يتلقى دروسا في القرآن، والتفسير، واللغة والأدب، إلا أن والد نظمي لوقا تعرض لمحنة مالية، جعلته لا يستطيع إكمال دروسه مع الشيخ الأزهري، وقد ذهبت أمه لجدته لتنال ميراثها، وهي حفيدة قساوسة، فأبت جدته ورفضت، فقرروا عدم ضغط النفقات، ومنها: عدم إكمال دروسه مع الشيخ، وأبلغوا الشيخ بذلك، ولكنهم فوجئوا في اليوم التالي بقدوم الشيخ إليه ليعطيه الدرس مجانا، يقول نظمي لوقا: (وعرف الفتى أن الشيخ عازم أن يستمر الدرس، بغير مقابل، وأن تلطفه شاء له أن يكون هو الساعي إلى تلميذه صونا لعزته وزيادة في مروءته. ولم يسع الفتى إلا أن يقارن في نفسه بين فعل جدة تنتمي للمسيح وتتشدق باسمه. وبين فعل شيخ يصلي بالناس على محمد وآله خمس مرات كل يوم!.. ليس البر وقفا إذن على دين دون دين. وفي العاشرة رحل الفتى عن السويس، ولم ير الشيخ بعدها، ولكن الشيخ ظل قائما في عقله ونفسه ولسانه.. فقد صاغ الشيخ في الفتى ذلك كله، وفتح عينيه على احتقار الجاه، واحترام العقل، وتقديس العقل، وشجاعة الرأي..). [6] ولو أردنا إحصاء من تعلم في الأزهر من المسيحيين، وتأثر بعلمائه، لاحتاج إلى مصنف كبير، ولكننا اكتفينا هنا بما ألمحنا له في هذا المقال -------- الهوامش: [1] انظر: المسلمون والأقباط في إطار الجماعة الوطنية للمستشار طارق البشري ص: 53. [2] انظر: المسلمون والأقباط في إطار الجماعة الوطنية للمستشار طارق البشري ص: 53. ومقال: أقباط درسوا في الأزهر الشريف لصلاح حسن رشيد المنشور على جريدة الأسبوع في: 28 أغسطس سنة 2015م. [3] معظم معلومات هذه الشخصيات مقتبس ببعض التصرف من مقال: أقباط درسوا في الأزهر الشريف لصلاح حسن رشيد المنشور على جريدة الأسبوع في: 28 أغسطس سنة 2015م. [4] انظر: قصة الكنيسة القبطية بقلم: إيزيس حبيب المصري (وهي تاريخ الكنيسة الأرثوذكسية التي أسسها مارمرقس) الجزء التاسع من ص: 171-176. وهي موسوعة معتمدة من الكنيسة، وقد وضعت هذه المعلومات على موقع الكنيسة. [5] لمزيد من التفصيل حول حياة مكرم عبيد، يراجع كتاب: الأقباط في السياسة المصرية للدكتور مصطفى الفقي. [6] انظر: محمد.. الرسالة والرسول. للدكتور نظمي لوقا ص: 45.