علمت "الاقتصادية" أن مداولات جادة تجري حالياً بين مختلف الوفود التجارية الغربية لدى منظمة التجارة العالمية لبحث الإجراءات التي يمكن أن تتخذها في إطار أحكام المنظمة لمعاقبة روسيا حول تدخلها العسكري في أوكرانيا، ودراسة إمكانية طرد روسيا خارج المنظمة إذا ما واصلت تحديها للمجتمع الدولي. وإذا كانت هناك وفود رفضت التعليق على المشاورات، أو نفت العلم بوجودها أصلاً، أو قالت إنها مجرد مداولات غير رسمية، إلا أنَّ مصادر مطلعة في الأمانة العامة لمنظمة التجارة أكدت لـ "الاقتصادية" وجودها. وبخلاف دعوة السيناتور، تيد كروز (جمهوري/تكساس) في 28 آذار (مارس) الماضي الحكومة الأمريكية إلى اتخاذ خطوات لطرد روسيا من منظمة التجارة، لا تتحدث الدول الغربية بشكل مفتوح عن مثل هذه الخطوة. رغم ذلك، اعتبر خبراء في القانون التجاري أنه "من الصعب جداً" نجاح أي خطوة تتضمن طرداً واضحاً لروسيا من منظمة التجارة، حتى إن مضت روسيا قدما في تنفيذ نواياها بزعزعة استقرار شرق أوكرانيا كذريعة للتدخل العسكري فيه. وقال يوست باولين، البروفيسور في القانون الدولي في معهد العلاقات الدولية والتنمية في جنيف لـ "الاقتصادية" :إنَّ أحكام المنظمة تتضمن خيارات محدودة جداً لطرد دولة عضو، وهي لا تنطبق على حالة النزاع الروسي مع أوكرانيا. وأوضح أن قواعد اتخاذ القرار في منظمة التجارة تقوم على أساس الإجماع، وعليه، فموافقة روسيا على طرد نفسها خارج المنظمة ستكون أساسية في القرار، لكن في المقابل، بإمكان روسيا، أو أي دولة عضو في منظمة التجارة، أن تترك المنظمة طوعاً بتقديم إشعار بسيط عن نيتها هذه وتنتظر ستة أشهر لتدخل الخطوة حيز النفاذ. الأحكام الوحيدة المتعلقة بطرد عضو من المنظمة مُدرجة تحت المادة العاشرة: الفقرة 3 من اتفاقية مراكش لعام 1994 المؤسِّسة لمنظمة التجارة، وهي مقصورة على الحالات التي ترفض فيها دولة عضو تعديلاً لاتفاقية قائمة من اتفاقيات المنظمة. في هذه الحالة، بإمكان الدول الأعضاء أن تقرر بأغلبية ثلاثة أرباع الأصوات أنَّ الدولة، أو الدول الأعضاء، التي ترفض التعديلات "هي حرة في الانسحاب من المنظمة أو البقاء كعضو لكن بموافقة المؤتمر الوزاري. وقال، ديفيد هارتريج، المدير السابق لقسم الخدمات في منظمة التجارة لـ "الاقتصادية": إنَّ الحالة الوحيدة التي طُلِب فيها من دولة عضو أن تترك الكيان التجاري العالمي جرت عام 1971 عندما أخذت الصين مقعد تايوان لدى الأمم المتحدة، ما أدى فيما بعد إلى انسحاب تايوان مما كان في حينه منظمة "الاتفاقية العامة للتعريفات والتجارة ـ جات ـ" سلف منظمة التجارة العالمية. وأضاف: من الواضح أنه كان في الواقع طرداً، على الرغم من أن قرار الانسحاب أتُخِذَ من قِبل تايوان نفسها نتيجة لطردها من الأمم المتحدة، دون أن يكون لـ "جات" أي علاقة بالموضوع. لكن، هارتريج، الذي أصبح الآن مستشاراً في مكتب للمحاماة في جنيف، أوضح لـ "الاقتصادية" أنَّ هناك طريقاً قانونياً للعمل ضد روسيا "وإن كانت فرص نجاحه ضئيلة"، وهي أن تقوم كل الدول الأعضاء بسحب التنازلات التجارية التي حصلتها روسيا منها لدى انضمامها للمنظمة عام 2012. غير أنَّ، جيفري سكوت، الأستاذ في الاقتصاد الدولي في معهد العلاقات الدولية والتنمية، يُشدِّد على إمكانية اللجوء إلى المادة 21 من اتفاقية "جات" التي تتضمن استثناءات من الحقوق والواجبات في إطار منظمة التجارة استناداً لأسباب تتعلق بالأمن الوطني للدولة العضو. ونصت المادة 21، الفقرة (b) من اتفاقية "جات" أنه لا يوجد شيء في الاتفاقية يمكن أن يمنع دولة عضو في منظمة التجارة من اتخاذ أي خطوة "تراها ضرورية لحماية مصالحها الأمنية الأساسية". وأضاف، سكوت: المادة 21 (b) تسمح باتخاذ إجراءات شاملة ضد روسيا دون إشعار مُسبَّق أو حتى تقديم أي مُبرِّر، حيث يُمكن للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي أن يسحبا في خطوة واحدة كل المزايا التي منحاها إلى روسيا عند انضمامها للمنظمة في آب (أغسطس) 2012. وقال: بعيداً عما إذا كنت أؤيد أو لا أؤيد هذا الإجراء، إلا أنه غير معقد، ويتوافق مع القانون الدولي، وفيه إشارة واضحة قد تمنع روسيا من تصعيد تدخلها العسكري في أوكرانيا، حيث سبق أنَّ لجأ الاتحاد الأوروبي إلى المادة 21 ضد الأرجنتين عقب غزوها جزر فوكلاند عام 1982، دون أن تتمكن الأخيرة من تحدي قانونية الإجراء. وأضاف أنَّ الولايات المتحدة لجأت أيضاً إلى المادة 21 عندما فرضت حظراً تجارياً ضد حكومة نيكاراجوا عام 1985. وعلى الرغم من أن نيكاراجوا طلبت من هيئة مراجعة المنازعات في "جات" الحكم فيما إذا كان الحظر يقوم على أسس قانونية، إلا أن الولايات المتحدة رفضت المشاركة في أعمال الهيئة قائلة إنها لا تملك الصلاحية لمناقشة قضايا تتعلق بالأمن الوطني للدول الأعضاء. وعموماً، فاللجوء إلى المادة 21 (b)، يتطلب من الدولة العضو إثبات: أنَّ هناك "حالة طارئة في العلاقات الدولية" وأنَّ إجراءً طارئاً قد تم اتخاذه "لحماية المصالح الأمنية العليا للبلاد". ويقول، باولين، إنه يُمكن للدول الغربية أن تجمع عناصر قوية للقيام بعمل ضد روسيا وذلك بالإشارة إلى "الحالة الطارئة في العلاقات الدولية"، وخاصة أن نص "جات" ترك الأمر للدولة التي تفرض العقوبات تقرير حجم العقوبات بما يتطابق مع حماية مصالحها العليا.