من الملحوظ في الشعر الإخواني أن الكثير منه يدور حول البخل. هكذا ينطلقون على هامش الولائم والطعام والشراب. لا شيء في الكرم يضحكنا كما يضحكنا التقتير والبخل، حتى ليخيل للسامع أن لا شيء يهمهم في ميدان الفكاهة غير ملء بطونهم. هذا هو الميدان المفضل. فالجهل لا يضحك كما يضحكنا البخل، كما سنرى. ما علينا غير أن نتذكر كيف أن فارس الفكاهة العربية هو أشعب. ولا شيء في أدب أشعب غير الفوز على البخلاء. وكذا نجد أن أروع كتاب فكاهي سطره الجاحظ هو كتاب البخلاء. هذا ما كان من أمر الشاعر محمد الأسمر وزميله محمد غنيم في الثلاثينات والأربعينات من القرن الماضي. ارتبط الأول بالأزهر الشريف حيث درس وتعلم ثم درّس فيه. وقد تولى إدارة مكتبته الزاهرة لعدة سنوات. يجب أن نتذكر أن الفكاهة والدعابة كثيراً ما ترتبط بالفقه والدينيات. في هذا المسار ألّف الكثير مما نسميه الشعر «الحلمنتيشي». اتصل محمد الأسمر بصداقة حميمة مع زميله الشاعر محمد غنيم الذي كان هو الآخر من المغرمين بهذه «الحلمنتيشيات» وما نحا منحاها من المداعبات الإخوانية. كلاهما كان من الفقهاء الظرفاء المتدينين. وأنشد الكثير من الشعر الإخواني والهجائي البريء الذي داعب فيه أصحابه وأقاربه. وبعين الوقت نشر ملاحم شعرية تتغنى بأمجاد الدين الإسلامي والفتوحات. حدث أن ذهب لزيارة صديقه محمد الأسمر وخرج من بيته جائعاً لم يذق شيئاً من طعامه وشرابه غير فنجان قهوة باهت. فبعث إليه في اليوم التالي بقصيدة ضمنها بعض النصح الخالص والوصايا الطبية الطيبة، وكلها في إطار السخرية والمداعبة الإخوانية البريئة. كان منها هذه الأبيات: صم إذا ما الضيف جاءك - وامنح الضيف عشاءك واجعل الصوف غطاء الضيـ- ــف والسقف غطاءك لا تضن زادك في الشعـــ - ـرى وفي المريخ ماءك يا صديقي قد فحصــــنا - ك فكـان البخـل داءك خذ نقيع الجود واشربــــ - ـــه تجد فيه دواءك! أنت بالبخل مريـــــض - نســـأل الله شـفاءك! وصلت الصفحة إلى يدي محمد الأسمر فهاله ما رأى من سيد العيوب، البخل، فأخذ صفحة أخرى جديدة وكتب يرد على صاحبه فقال بنفس الوزن والقافية: يا صديقي أنت في شعـ - ـرك لم تلبس رداءك يا كريم العصر ما أجمـ - ـل في الجود ادعاءك شـد مـا أبقيـت شيطا - ن قــوافيـك وراءك قـد عـرفنـاك صغيراً - وتبينا ســـــخاءك فاحمد الله على الستــ - ــر ولا تكشف غطاءك صرت «محمودا» جديداً - بعـدمـا داويـت داءك فأطال الله للجــــو - د الكلامي بقـــاءك! خالد القشطيني