تقول الخبيرة العسكرية في كلية حلف شمال الأطلسي للدفاع، فلورنس غاوب، في حديث مع دويتشه فيله، «إن القذافي ركز اهتمامه، بدلا من بناء جيش قوي، لأنه كان سيشكل تهديداً له، على بناء وحدات قتالية خاصة قام بتعيين أولاده على رأسها، وهي تتكون في معظمها من موالين له». وقد بلغ تعداد هذه الميليشيات (الشعب المسلح) حوالي المليون ونصف المليون من المواطنين المدربين على السلاح بكافة أنواعه. لفهم ذلك لا بد من العودة إلى عام 1975، ففي هذا العام قام عمر المحيشي وهو أحد أعضاء مجلس قيادة الثورة الليبية مع مجموعة من الضباط بالتخطيط لثورة انقلابية ضد نظام القذافي ومحاولة تصحيح المسار السياسي في ليبيا، إلا أن هذه المحاولة فشلت، ما فتح المجال أمام القذافي ببدء سلسلة من الإجراءات لتحصين نظامه من خلال تهميش الجيش وإهماله وإضعاف قدراته وتغييب دوره عن طريق استبداله بمبدأ الشعب المسلح وهو أحد المبادئ الرئيسية في السلطة الشعبية كما يفضل النظام توصيفها والتي تنص على أن جميع فئات الشعب ينبغي لها التدرب على السلاح وفنون القتال. فوفقا لوثيقة إعلان قيام سلطة الشعب: نصت المادة الرابعة من الإعلان التاريخي لقيام سلطة الشعب الصادر في 2 مارس 1977 «على أن الدفاع عن الوطن مسؤولية كل مواطن ومواطنة وعن طريق التدريب العسكري العام يتم تدريب الشعب وتسليحه وينظم القانون طريقة إعداد الإطارات الحربية والتدريب العسكري العام». وقد صدرت عدة قوانين نظمت تكريس هذا المبدأ «الشعب المسلح» منها على سبيل المثال قانون رقم 42 لسنة 1974 بشأن التدريب العسكري العام الذي نص في مادته الأولى على «التدريب العسكري العام خدمة وطنية وتكليف لكل مواطن من الذكور والإناث ممن بلغ سن السابعة عشرة من عمره ولائق صحيًا». وكذلك قانون رقم 3 لسنة 1978 بشأن الخدمة الالزامية الذي تم فيه فرض الخدمة العسكرية الإلزامية على كل مواطن ممن بلغ الثامنة عشرة من عمره ولم يتجاوز 35 سنة والذي تم تطويره إلى القانون رقم 9 لسنة 1987 بشأن الخدمة الوطنية الصادر عن المؤتمرات الشعبية الأساسية وتعديلاته إلى برنامج التدريب العسكري العام أسلوباً والمناوبة الشعبية فلسفة. وغيرها من القوانين التي كانت كلها تصب في تهميش وتفكيك واضعاف منظومة المؤسسة الامنية «الجيش»، والتي افرزت مع الوقت بروز ظاهرة الكتائب الامنية، وهي كتائب لا صلة لها بالجيش الوطني الليبي، لكنها تفوقه تجهيزا وتدريبا. يقول الملازم أول الطيار عطية عمر المنصوري، أحد الضباط الذين حاولوا الانقلاب على القذافي في عام 1975، إنه «منذ انشقاق مجلس قيادة الثورة في العام 1975، بعد أن انفرد القذافي و4 أعضاء آخرين بالسلطة، وأزاح الستة الباقين، ونفّذ حكم الإعدام في 22 ضابطاً في العام 1977، وسجن مئات الضباط وكنت واحداً منهم، خطَّطَ القذافي لتحييد الجيش النظامي، وشكّل ما يسمى الجيش الشعبي– الشعب المسلح-، إذ جند الشباب في كتائب شعبية حوَّلَها إلى ميليشيات عسكرية لا عقيدة لها». وأضاف المنصوري أن «القذافي حوّل القوات المسلحة إلى مجرد تكديس للرتب العسكرية العليا، حيث تنعدم الطبقة الوسطى للجيش، وهي العمود الفقري لأي جيش نظامي، واعتمد في المقابل على بناء الكتائب الأمنية التي تؤمِّن الولاء والسيطرة على المدن، وهي مجهَّزة ومدربة للقمع وليس للدفاع عن الوطن». وبالتالي فبعد الثورة لم يكن هناك جيش مسلح ولا جهاز أمني بل هناك ميليشيات مسلحة اغتصبوا مهام الأمن وشلوا أي دور لمؤسسات الجيش ورجال الشرطة بما فيهم شرطة المرور.