النائب السابق مسلم البراك استطاع أن يخلق المشهد السياسي في السنوات الأخيرة، أو على الأقل جزءا مهماً من الواقع السياسي الكويتي، سواء طوال مسيرته البرلمانية أو تحركه ميدانياً، وأثناء وجوده في السجن وحتى خروجه من محبسه ليعود إلى الساحة من جديد. محورية مسلم البراك في المشهد السياسي يؤكدها خصومه قبل مؤيديه، فحجم التحرك المضاد والهجوم المنظم والعنيف من تحت العباءة الحكومية يعكس الهاجس الكبير سياسياً ونفسياً لمخالفيه، ورصد تحركات الرجل والرد على أقواله وأفعاله بمختلف الأدوات السياسية والإعلامية والاجتماعية، فاستهدافه أحياناً يكون بشخصه ومحاولات تشويه سمعته وإلصاق التهم المخيفة به لدرجة محاولة قلب نظام الحكم، وأحياناً أخرى يتم ضربه عبر بعض المؤيدين له من الشخصيات والتيارات، وخصوصاً من المتشددين دينياً وممن لا يترددون في رفع الشعارات الطائفية غير عابئين بخطورة شق النسيج الاجتماعي وتنامي الاحتقان الطائفي، وأحياناً عبر العزف على وتر القبلية التي ينتمي إليها مسلم البراك، على الرغم من أن الكثير من هؤلاء المنتقدين يعلنون في الخفاء إعجابهم بأطروحات البراك وشجاعته السياسية ومصداقية مواجهته للفساد والمفسدين، وتنزيهه شخصياً من عقدة الطائفية والفئوية. لا ننزه الأخ "بو حمود" عن الخطأ أو الاختلاف معه في منهجية العمل، لكنه تحمّل مسؤولية مواقفه وقضى مدة عقوبته كاملة خلف القضبان، وميّز نفسه عمن تسلّق على مبادئه لهثاً خلف الكرسي النيابي فكان تأثيره وموقعه السياسي أكبر من كل من تركوه مجتمعين، ثم جاء بكلمة جامعة أقر بأنها ثمرة تجربته في السجن، وضع خلالها النقاط على الحروف ونجح في الرد على خصومه التقليديين، وأغلق في وجوههم "المقاضب" التي كانوا يهاجمونه من خلالها. إن ما نحتاجه اليوم بالفعل هو إعادة التفكير في استراتيجية المعارضة السياسية وآلية عملها وفق ما هو متاح من أدوات ومساحات دستورية، رغم محدوديتها ورغم الإمكانات الجبارة التي تمتلكها الحكومة في شراء الولاءات والذمم، ولكن سر نجاح هذا الأمر يتوقف على أمرين في رأيي المتواضع: أولهما مصداقية النخبة السياسية، فالنخبة المتصدية للعمل العام، وخصوصاً في ظل الأوضاع المعقدة اجتماعياً وسياسياً، يجب أن تتمتع بثقة كبيرة قادرة على الوصول إلى عقول وقلوب الناس بمختلف مشاربهم وأفكارهم، وأن تتبنى بصدق وقناعة حقيقية هموم الوطن والمواطن، وأن تكسر الحواجز النفسية، وتذيب جدار الجليد بين المكونات الكويتية، حيث أثبتت التجارب أن الركون إلى القبيلة أو الطائفة أو الطبقة الاجتماعية لا يمكن أن يخلق أمة أو يساهم في بناء بلد بكل تحدياته ومشاكله وطموحاته. هذه النخبة ليست بالضرورة أن تكون عددية وإنما نوعية، ولعله كلما كانت أقل عدداً كانت أكثر تجانساً وتفاهماً، لكنها يجب أن تكون قادرة على امتصاص ردود الفعل والضرب تحت الحزام حتى من أقرب المقربين والمتزلفين. الأمر الآخر يكمن في خلق رأي عام جديد أولويته الخطاب الوطني والالتفاف حول قواسم مشتركة ومستحقة، وفي طليعتها مواجهة "كماشتي" الفساد الرهيب المنتشر والمنتشي من جهة وحفظ النسيج الكويتي من الضياع والتمزق من جهة أخرى. هذا هو المحك والاختبار ليس مسلم البراك وأمثاله بل مؤيديه وخصومه على حد سواء، فهل نتمتع جميعاً أو أغلبنا بالشجاعة الأدبية للاعتراف بأخطائنا تماماً كالتباهي ببطولاتنا؟ هذا المأمول والمطلوب ولا خيار غيره!