تطغى على الشارع الجزائري بوادر احتجاج سياسي جديد، يتمحور أساساً حول امتناع المواطنين عن التصويت، الأمر الذي أثار بدوره موجة من القلق في صلب الحكومة، خصوصاً أن الانتخابات التشريعية أضحت على الأبواب. في واقع الأمر، لا تفصلنا سوى أيام قليلة عن انطلاق الانتخابات التشريعية الجزائرية، التي ستُعقد في 4 من مايو/أيار 2016. وفي الأثناء، يبدو أن الجزائريين لا يكترثون فعلاً بهذا العُرس السياسي، رغم أن شوارع العاصمة قد تزينت بلافتات، تذكر الناخبين بأهمية الإدلاء بأصواتهم، حسب تقرير لمجلة الفرنسية. ويعتبر لخضر، البالغ من العمر 64 سنة، أحد الجزائريين العازمين على عدم التصويت. وفي هذا الصدد، أورد لخضر مبرراً لعزوفه عن التصويت، قائلاً إن "أحزاب المعارضة تُوفيت بوفاة حسين آيت أحمد، زعيم جبهة القوى الاشتراكية المعارض. ومنذ رحيله، لم أعد أثق بأي حزب معارض". في الحقيقة، لا يعد لخضر الجزائري الوحيد الذي قرر مقاطعة الانتخابات، حيث يشاطره الرأي "أريسكي"، وهو أحد الشباب الذين التقتهم المجلة في مركز العاصمة. وقال أريسكي أنه لن يُدلي بصوته قائلاً: "كل شخص حر في اختياراته وتوجهاته". نوع جديد من الناخبين ويبدو أن المشكلة التي تواجهها الانتخابات الجزائرية، ليست فقط في الناخبين الراغبين في المقاطعة، وإنما في الناخبين الذين يحثون على المقاطعة . وفِي هذا الإطار، نقلت "جون أفريك" عن الوزير الأول (رئيس الوزراء الجزائري)، عبد المالك سلال، أن "المقاطعين للانتخابات لهم الحق في عدم المشاركة في عملية التصويت، لكن يجب عليهم ألا يفرضوا اختياراتهم على باقي الجزائريين، ويحثوهم على التشكيك في مصداقية هذه الانتخابات التشريعية". وتحولت مواقع التواصل الاجتماعي، عند الأحزاب السياسية في الجزائر، إلى ساحة مهمة للصراع الانتخابي؛ في محاولة منها لجذب الناخبين خاصة الشباب، حسب تقرير لجريدة تونسية. وكان أول من أبدى اهتمامه بمواقع التواصل الاجتماعي، الأمين العام للتجمع الوطني الديمقراطي، أحمد أويحي، الذي يراهن كثيراً على هذه الساحة لكسب الانتخابات . وأشرفَ، أويحي مؤخراً، على عقد ندوات وطنية في تقنيات الاتصال على شبكة الإنترنت لمسؤولي صفحات التواصل الاجتماعي "فيسبوك" على مستوى تشكيلة الحزب السياسية. ودعا أويحي المشرفين على تسيير شؤون الحزب عبر مواقع التواصل الاجتماعي في 48 محافظة، إلى حشد أكبر عدد من المنخرطين إلكترونياً، خاصة من الشباب.سيبلغ رقماً قياسياً واعتبر المختص في العلوم السياسية حسني عبيدي، الذي يشغل منصب مدير مركز الدراسات والأبحاث حول العالم العربي والمتوسطي، أن "امتناع المواطن الجزائري عن التصويت يعتبر موقفاً سياسياً سليماً، إذ إنه يجسد في حد ذاته موقفاً سياسياً معارضاً". وقال عبيدي لـ"جون إفريك" إن "كل المؤشرات الحالية تفضي إلى أنه سيقع تحطيم الرقم القياسي في نسبة الامتناع عن التصويت مقارنة بالمعدل الذي سُجل خلال آخر انتخابات تشريعية". وتجدر الإشارة إلى أنه خلال انتخابات سنة 2012، تجاوزت نسبة المشاركة بشقّ الأنفس عتبة 42.9%، حسب وصف "جون أفريك". ومن ناحية أخرى، لفت حسني عبيدي إلى المفارقة الكبيرة التي تعيشها الجزائر، والمتمثلة في أن "نسبة الامتناع عن التصويت كانت في أدنى مستوياتها عندما كان يحكمنا حزب واحد، وهو جبهة التحرير الوطني. أما الآن، فقد بلغت نسبة الامتناع ذروتها على الرغم من أننا نعيش تعددية حزبية". وأردف عبيدي أن "الجزائريين لم يعد يثقون بالعملية الانتخابية. وفي هذا الإطار، يجب أن نفطن إلى أمر مهم؛ وهو أنه في كل مرة تجتاز فيها الجزائر وضعية اقتصادية، وسياسية وأمنية صعبة، يمتنع بعدها مباشرة أغلب الشعب عن المشاركة في غمار الانتخابات البرلمانية أو غيرها". خيبة أمل في فرنسا قامت المنظمات الجزائرية المشرفة على سير العملية الانتخابية للجزائريين المقيمين في فرنسا، بالانسحاب والتخلي عن مهامها، فضلاً عن أنها لم تبادر بدعوة أعضائها للتصويت في الانتخابات التشريعية الجزائرية. وفي هذا الإطار، أقر نائب رئيس جمعية الجزائريين المقيمين بالخارج، عثمان دويدي، بأن "قرارنا بعدم التصويت جاء على خلفية تصويت نواب البرلمان الجزائري لصالح الفصل 51 من الدستور الجزائري الذي يمنع الجزائريين، أصحاب الجنسية المزدوجة، من الترشح لتقلد مناصب هامة في الوظائف العمومية بالجزائر". على السلطات أن تتصرف وتساءلت "جون أفريك": كيف للحكومة أن تضفي مسحة من الشرعية على تصويت من المتوقع أن يشهد إقبالاً ضعيفاً للغاية؟ وفي هذا الصدد، أورد حسني عبيدي أن "الحكومة قد عودتنا، في مثل هذه الأوضاع الحرجة، أنه لا وجود لخطة (ب) أو بدائل فعلية لمواجهة هذه النسبة المرتفعة من الامتناع عن التصويت. كالعادة، ستكتفي الحكومة بأصوات الذين قرروا الانتخاب". وأشار عبيدي إلى أنه "في حال أبدت السلطات احتراماً لنتائج الانتخابات، فأنا أعتقد أنها ستناقش الظروف السياسية والاقتصادية التي تسببت في خلق حالة الامتناع عن التصويت". الشباب ويقول محللون إن من أسباب عزوف الناخبين الجزائريين، وجود قناعة خاصة لدى كثير من الشباب بأن الانتخابات لا تمثل وسيلة للتغيير السياسي بالجزائر في ظل وجود فئات داخل الأحزاب ترى في البرلمان فرصة للصعود الاجتماعي، فضلاً عن تحول الانتخابات إلى "بؤر فساد". وقال المحلل السياسي عبد الرحمن بن شريط، لبوابة "العين" الإخبارية"، إن "الشباب الجزائري تحديداً، لم يجد في البرامج الانتخابية ما يتوافق مع تطلعاته وانشغالاته، خاصة مع عدم تحقيق الوعود في الانتخابات السابقة، ما أدى إلى انعدام ثقتهم بغالبية الأحزاب الموجودة في الساحة السياسية". وأضاف أن "الأحزاب السياسية بعيدة كل البعد عن التحولات الاجتماعية التعليمية التي شهدتها الجزائر، لافتاً إلى أن أرقام وزارة الداخلية أظهرت أن نصف المرشحين للتشريعيات لا يملكون البكالوريا".