تونس: المنجي السعيداني توقع المهدي جمعة رئيس الحكومة التونسية خلال جلسة تمهيدية لمؤتمر الحوار الوطني حول الاقتصاد التونسي، أن يقبل عدد هام من المستثمرين على تونس خلال شهر مايو (أيار) ويونيو (حزيران) المقبلين، مقترحا في جلسة عقدت أمس في العاصمة بحضور أعضاء الحكومة ورؤساء المنظمات المهنية ورؤساء الأحزاب السياسية الممثلة في البرلمان، تنظيم مؤتمر يخصص لطرح كل المشاكل الاقتصادية يوم 28 مايو المقبل.. وقال إن مستثمرين من دول الخليج العربي سيجتمعون خلال شهر مايو المقبل في لقاء تونسي خليجي لإعادة دفع المشاريع الخليجية المعطلة في تونس. ويعاني الاقتصاد التونسي من التضخم المالي والعجز في الميزان التجاري وتدهور المقدرة الشرائية للتونسيين، وهي مشاكل تلاحقه منذ أكثر من ثلاث سنوات ولم يستطع تجاوزها. وذكر جمعة بالتزام الحكومة التونسية بإعادة إنعاش الاقتصاد التونسي ووعد بتنفيذ إصلاحات جوهرية قائلا إن حكومته «لم تختر الطريق السهل». وأشار إلى تنقل فرق عمل حكومية إلى 13 ولاية (محافظة) تونسية خلال الآونة الأخيرة، بهدف إعادة تنشيط المشاريع الاقتصادية الراكدة. وقال إن تلك التنقلات قد أتت أكلها على مستوى بعض المشاريع الكبرى خاصة في مجال الطرقات والبنية التحتية. وأعلن المهدي جمعة عن تولي قائمة تجمع 52 شخصية حكومية وسياسية واقتصادية، الإعداد للمؤتمر الاقتصادي المزمع تنظيمه نهاية الشهر المقبل ويقود جمعة تلك المجموعة على أمل إخراج تونس من مأزقها الاقتصادي. ووفق وجهة نظر قيادات اتحاد الصناعة والتجارة (منظمة رجال الأعمال) التي حضرت اللقاء التمهيدي، فإن الظرف الاقتصادي الحالي يتطلب توافق كل الأطراف حول إنقاذ البلاد وذلك عبر التضحية الجماعية والشجاعة في المصارحة والجدية في اتخاذ القرارات. وتخشى أطراف اجتماعية على رأسها منظمات العمال، أن يكون المؤتمر الاقتصادي الوطني مقدمة لتبرير قرارات سياسية ستقدم عليها الحكومة لاحقا من بينها تخفيض نسب الدعم على المواد الاستهلاكية باعتبارها أحد شروط هياكل التمويل الدولية لمواصلة إقراض تونس. وانتقد الخبير الاقتصادي التونسي عز الدين سعيدان في تصريح لـ«الشرق الأوسط» تواصل اعتماد نفس النمط التنموي بعد أكثر من ثلاث سنوات على نجاح الثورة وقال إن التونسيين يطالبون بنمط تنمية جديد يعتمد على تقليص الفقر والهشاشة الاجتماعية والاقتصادية وتنمية المناطق الداخلية واعتماد سياسة اقتصادية جديدة في مختلف القطاعات. وتساند المنظمات المهنية ترشيد الدعم الموجه إلى المواد الأكثر استهلاكا، وتدعو في هذا المجال إلى توجيهه إلى مستحقيه إذ إن نسبة الفقراء الذين يتمتعون بالدعم لا تتجاوز حدود 20 في المائة في حين أن البقية تذهب إلى كبار المستثمرين في القطاعات الغذائية وصناعة المرطبات على وجه الخصوص. وقدم الاتحاد العام التونسي للشغل (أكبر المنظمات العمالية في تونس) مجموعة من المقترحات طرحت على شكل حلول للتحديات الاقتصادية. وقال أنور قدور الأمين العام المساعد لاتحاد الشغل في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إن منظمة العمال تطالب بإعداد ورشات عمل حول التنمية الجهوية والتشغيل ودعم المحروقات وسياسة التحكم في الأسعار والمحافظة على القدرة الشرائية للمواطن، وهذا يتطلب جهود كل الأطراف الحكومية والنقابية والسياسية. وتعرف تونس صعوبات مالية فعلية إذ إنها برمجت ضمن ميزانية السنة الحالية 11 ألف و500 مليون دينار تونسي (نحو7187 مليون دولار أميركي) وهذا المبلغ غير متوفر حاليا وهو مخصص لخلاص الديون الخارجية والداخلية. وتتضح معالم الأزمة المالية من خلال مضاعفة الدعم على المواد الأكثر استهلاكا ثلاث مرات وزيادة الاعتمادات الموجهة لخلاص الأجور بنسبة 44 في المائة وهذا ما أثقل الأعباء الاجتماعية للدولة. وعرفت تونس بعد الثورة تعطل أدوات الإنتاج في الكثير من الأنشطة الاقتصادية من بينها قطاع الفوسفات أحد أهم الأنشطة المدرة للعملة الصعبة وتراجع إنتاج الفوسفات إلى الثلث مقارنة بمستوى الإنتاج سنة 2010. وتعيش قرابة 20 مؤسسة عمومية صعوبات اقتصادية وهي اليوم تشكو من عجز مالي مقدر بنحو ثلاثة آلاف مليون دينار تونسي (نحو ألفي مليون دولار أميركي)، ومن بين تلك الشركات شركة نقل تونس والشركة التونسية للكهرباء والغاز والشركة الوطنية لاستغلال وتوزيع المياه. وسجلت موارد الدولة تراجعا كبيرا نتيجة عدة مشاكل رافقت الثورة من بينها العزوف عن تسديد الضرائب. وتشير تحاليل الخبراء الاقتصاديين إلى اعتماد سياسة جبائية غير عادلة تعفي فئات اجتماعية من دفع الضرائب للدولة عبر اعتماد أنظمة تقديرية. ولا تزيد مساهمة بعض المهن الحرة على غرار أطباء القطاع الخاص والمحامين عن ثمانية في المائة من مجموع مداخيل الدولة عبر الضريبة على الدخل. كما تشير بعض الإحصائيات إلى تواصل تهرب قرابة 40 في المائة من مؤسسات القطاع الخاص وتخلفها عن دفع الضرائب الموجهة لخزينة الدولة. وتنادي تونس باسترجاع الأموال المنهوبة من البلاد خلال الفترة المتراوحة بين 1987 و2008 وهي مقدرة بنحو 12.5 ألف مليون دينار تونسي (نحو 7812 مليون دولار أميركي)، وتعتبرها أحد الروافد المهمة لإنعاش الاقتصاد التونسي، لكن خبراء تونسيين وأجانب يشيرون إلى أن العملية وهي تتطلب حسن تفعيل الدبلوماسية السياسية مع الدول الحاضنة لتلك الأموال لاستعادتها وتوظيفها في ضخ دماء جديدة في جسد الاقتصاد التونسي المنهك.