* والإجابة المنطقية هي: نعم.. بغض النظر عن مدى رضانا أو اعترافنا بهذه الثقافة.. خصوصًا إن اعتمدنا التعريف الذي يقول: إن الثقافة هي انعكاس طبيعي للظروف والعوامل التي يعيشها الجيل، بكل ما فيها من تحديات وفرص ومشكلات وانكسارات وتطلعات. * عبر التاريخ.. ظلت العلاقة بين الأجيال علاقة شائكة ومعقدة.. تتسم بالتواصل والإعجاب حينًا.. وبالجفاء والانقطاع والتمرّد أحيانًا.. ومزيجًا بين هذا وذاك في معظم الأحيان. غير أن العجيب واللافت في آنٍ معًا هو أن كل الأجيال، وعبر كل الأزمنة تكاد تتفق على أن الشباب أسوأ أخلاقًا، وأقل جدية، وأقل ثقافة، وأقل تحمُّلاً للمسؤولية من سابقيهم!! والأعجب أن الشباب يقابلون هذه الاتّهامات باتّهام الأجيال الأكبر سنًّا أنها أقل تفهمًا، وإلمامًا بالتطوّرات من حولهم، وأكثر دكتاتوريةً وتمسكًا بعادات وخبرات لم تعد ملائمة للعصر!. * القضية ليست خاصة بمجتمعنا وعصرنا فقط، بل هي قضية كل المجتمعات، وكل العصور تقريبًا.. فالتاريخ حفظ لنا نقشًا كتبه أحد الفراعنة قبل نحو 6000 سنة يقول فيه: "إننا نعيش في عصر الانحلال، لم يعد الشباب يحترم والديه. شباب اليوم وقح، مستعجل لا يعرف الصبر، لا يكادون يغادرون المراقص والحانات، ولا يسيطرون على تصرفاتهم!". أمّا في القرن الرابع قبل الميلاد، فيقول أفلاطون: ما الذي يحدث لشبابنا؟ إنهم لا يوقّرون كبارهم، يتجاهلون القوانين، يعربدون في الشوارع بمشاعر بهيمية، أخلاقهم منحلّة"!! بينما يصف أحد رجال الدين في القرن الثالث عشر فتيات ذلك الزمان بأنهن جريئات، متبرجات، وغير مهذبات في كلامهنّ وتصرفاتهنّ وملابسهنّ"!. * التغيّر سنة كونية، وبقدر سرعة هذا التغيّر تزداد الفجوة بين الأجيال عمقًا، فعندما يكون التغيّر بطيئًا -كما كان في القرون السابقة- تزداد فرص التواصل بين الأجيال بسبب وجود مساحة مشتركة من الأفكار والسلوكيات.. أمّا عندما تتسارع درجة التغيير -كما في عصرنا- فإن مساحة التواصل بين الأجيال تضيق، وهنا تظهر ملامح التوتر والصراع بين الأجيال. * بالعودة إلى عصرنا الحالي نقول: إنه من الطبيعي جدًّا لجيل يعيش عاصفة الاتّصالات والمعلومات الحالية التي أسقطت كل حواجز المكان والزمان بين البشر أن تكون له ثقافته المختلفة، حتى وإن كانت في نظر البعض مجرد ثقافة سطحية يتم إنتاجها وفق معايير العمل الاستهلاكي، الذي حوّل الثقافة، من محيطها المعرفي والقيمي إلى آفاق المتعة والتسلية والتسطيح؛ لذا أصبح الشباب يدينون لثقافة عالمية واحدة، تبعدهم عن الجيل السابق بقدر ما تقرّبهم من مجايليهم حول العالم في الملابس، والطعام، والموسيقى، واللغة، وكل تفاصيل الحياة. * إذا كانت أيّ محاولة لاستنساخ الأجيال محكومًا عليها بالفشل سلفًا؛ لأنها محاولة ضد التاريخ، فإن المجتمعات القوية والمتماسكة هي التي تستطيع القيام بتناقل سلمي لهويتها وسلطاتها الثقافية من جيل لآخر دون تصادم ومعارك هامشية تفقدها الكثير من تلك الهوية.. كما أن النجاح الثقافي الأكبر لأي مجتمع يكمن في قدرته على نقل الخبرات إلى الشباب دون فرض قيود على حقهم في ممارسة حياتهم الخاصة بأسلوب عصرهم. * وهذا ما يضعنا أمام السؤال الأصعب والتحدّي الأهم: كيف يمكننا عمل ذلك؟! m.albiladi@gmail.com للتواصل مع الكاتب ارسل رسالة SMS تبدأ بالرمز (61) ثم مسافة ثم نص الرسالة إلى 88591 - Stc 635031 - Mobily 737221 - Zain