×
محافظة الرياض

(جستك) العالمية تمنح أمانة الرياض جائزة التميز في نظم المعلومات الجغرافية

صورة الخبر

في مقال سابق (الجزيرة في 7-4-1435هـ) ذكرت أن لدينا من كليات الطب ما يكفي.. وقد نبهني زميلي الدكتور محمد المفرح أن الاكتفاء من كليات الطب لا يقابله اكتفاء من كليات التمريض (سواء منها الجامعية.. .. أو دون الجامعية)، بل هناك في الواقع نقص بالغ الخطورة في مخرجات التمريض السعودية -وهو كطبيب استشاري ممارس ومدير سابق لمستشفى الرياض المركزي خبير بهذا الواقع. لذلك أردت أن أعرف أولاً مقدار الاحتياج، ومن ثم مقدار النقص وسبل تسديدة. في العادة يتم تقدير الاحتياج على أساس معدل قياسي، مثل الخدمة لكل ألفٍ من السكان (المعدل السكاني)، أو معدل خدمة السرير (حسب حجم المستشفى وطبيعة عمله) وخدمة المركز الصحي (حسب عدد السكان في دائرته)-.. ونسمى هذا المعدل التشغيلي؛ وهناك طبعاً معدلات أخرى أكثر دقة ولكن أكثر صعوبة في حسابها. ويمكن ترجمة المعدل التشغيلي إلى معدل سكاني عن طريق قسمة عدد السكان في سنة ما على مجموع عدد أفراد التمريض المحسوب على أساس المعدل التشغيلي في تلك السنة. وهذا ما عمله فريق علمي أجرى -بتكليف من (كليات الغد الدولية للعلوم الصحية)- دراسة لتقدير الاحتياج من القوى العاملة الصحية في عام 1431هـ وتوصل إلى معدل ممرض(- ضة) لكل مائتي نسمة من السكان. وحسب أحدث كتاب إحصائي لوزارة الصحة بلغ عدد أفراد التمريض لجميع القطاعات الصحية بالمملكة في عام1433هـ مائة وعشرين ألفاً تقريباً، نسبة السعوديين بينهم 36%، أي حوالي واحد وخمسين ألفاً (نسبتهم في الصحة 55.3 وفي القطاعات الحكومية الأخرى 13.5%، وفي القطاع الخاص 3%).. فالاكتفاء الذاتي التام كان يتطلب إضافة ما يقارب سبعين ألفاً من أفراد التمريض لعدد من السكان بلغ تسعة وعشرين مليون نسمة تقريباً -منهمٍ حوالي تسعة ملايين غير سعودي- (وفق تعداد 1431هـ). فإذا بلغ عدد السكان خمسة وثلاثين مليون نسمة في عام 1440هـ أو عام 1445هـ (حسب نسبة نمو العمالة الوافدة، لأنها غير ثابتة، وتحتاج طبعاً إلى الخدمة الصحية)، فإن مجموع عدد أفراد التمريض الذين يجب توافرهم حسب المعدل السكاني: (ممرض-ضة لكل مائتي نسمة) هو مائة وخمسة وسبعون ألفاً. وفي حالة استهداف الاكتفاء الذاتي التام (100%) من الممرضين السعوديين يلزمنا إذن إضافة مائة وأربعة وعشرين ألف ممرض/ضة إلى الموجود عام 1433هـ، أي بمعدل عشرة آلاف في السنة، إذا كان عدد السكان سيصبح خمسة وثلاثين مليوناً عام 1445هـ. (وهذا ممكن عندما نستطيع تخفيض نسبة النموّ السنويً لغير السعوديين التي تبلغ حسب التعداد الأخير 5%). لدينا إذن نقص كبير في أفراد التمريض السعوديين يجب أن نسدده، فهو دين مستحق واجب السداد. فهل نستطيع حقاً أن نخرِّج عشرة آلاف ممرض/ضة سنوياً حتى عام 1445هـ لكي نحقق الاكتفاء الذاتي التام؟.. لا نستطيع، على الرغم من أننا لا نحرث في البحر. فلدينا الآن تربة خصبة تتكون من (15)كلية تمريض و(19) قسم تمريض ضمن كليات العلوم الطبية التطبيقية وكلها جامعية حكومية، ولدينا أيضاً (20) كلية أهلية للتمريض أو بها قسم تمريض وكلها بدرجة بكالوريوس. المجموع (54) كلية أو قسماً جامعياً للتمريض، موزعة على جميع جامعات ومناطق المملكة، وكثير منها أنشئ حديثاً، أي لن يخرِّج إلا من الدفعات الأولى هذا العام، وهي غالباً أقل من (50) خريجاً في المتوسط، بينما يتطلب تخريج عشرة آلاف في السنة أن يبلغ متوسط عدد الخريجين من كل كلية أوقسم (185) خريجاًً فوراًً، ودون ذلك فعلاً خرط القتاد، إن لم نخرط الأشواك لنقطف الثمار بيُسْر. أولاً: الاكتفاء الذاتي التام ليس هدفاً واقعياً، بل هو أمنية. وعلينا أن نكون سعداء إذا حققنا نسبة (80%). ففي عام 1412هـ كانت نسبة السعوديين في التمريض (11%) بعد 34 سنة من بداية تعليم التمريض، وفي عام 1433هـ- أي بعد 21سنة -زادت النسبة إلى (36%)، فإن زادت بعد 12سنة فقط في عام 1445هـ إلى (80%)، فهذا إنجاز ضخم. ثانياً: سد النقص العددي فقط لا يحقق السعودة الصحيحة، بل يُبقى على اعتمادنا المعهود على الخبرات والقدرات غير السعودية. فالتمريض-كغيره من العلوم والمهن- يتدرج من البسيط إلى المعقّد ويتنوع من تخصص إلى آخر.. ولهذا يختلف مستوى التأهيل، ولكن مهما كانت درجة الاختلاف، فإنه بدون تدريب سريري عميق لا جدوى من أي شهادة. ومن ناحية أخرى فإنه لا جدوى من تكليف حملة البكالوريوس بمهمات بسيطة يستطيع أن يقوم بها من هو أقل تأهيلاً، فهذا يقتل الطموح ولا يفيد المريض. ثالثاً: للوصول إلى شيء قريب من الاكتفاء الذاتي (80%) ينبغى مضاعفة الجهود المبذولة لجعل التمريض مهنة جذابة. لا سيما العنصر النسائي يحتاج إلى الدعم الاجتماعي، من حيث تنظيم العمل وتوزيعه بما يخفف من فوبيا الاختلاط، ومن حيث تنظيم الدوام بما يناسب قدر المستطاع ذوات الالتزامات العائلية، ومن حيث تحمّل جهة العمل متطلبات وسيلة النقل (سواء كانت سيارة خاصة أو حكومية أو سيارة أجرة... إلخ)، ومن حيث المزايا الوظيفية والتصنيف بما يحفظ للمهنة اعتبارها. رابعاً: لابد من الإقرار بأن بعض وظائف التمريض غير مرغوبة -لا سيما من العنصر النسائي-مثل العمل في مكان ناءٍ منعزل، أو ما بتطلب المناوبات الليلية كثيراً، أو لأسباب أخرى قوية. كذلك فإن نسبة التسرب بين الممرضات خاصة عالية- البعض يقول إنها قد تصل إلى 50%. ذلك يؤكد أن الاكتفاء الذاتي التام هدف غير واقعي. خامساً: في ضوء ما سبق يجب أن نتخذ خطى سريعة لسدِّ معظم النقص في كوادر التمريض السعودية بطريقة عملية منهجية: الخطوة الأولى: تحويل أقسام التمريض في كليات العلوم الطبية التطبيقية أو غيرها من الكليات الحكومية والأهلية إلى كليات مستقلة للتمريض (مع إغلاق الأقسام التي لا تفى بمتطلبات الكلية). وبذلك يمكن أن يكون لدينا (54) كلية تمريض. وهذا في حد ذاته له قيمة اعتبارية كبيرة و جذابة. الخطوة الثانية: تقوم كل كلية بإضافة برنامج دبلوم للتمريض يقبل فيه بشروط أخف قليلاً خريجو التوجيهية أو الذين لا يمكنهم مواصلة الدراسة في الكلية حتى البكالوريوس. وميزة الدبلوم في حضن الكلية ضمان مستوى هيئة التدريس والاستفادة القصوى من موارد الكلية وتزويد القطاع الصحي بما يحتاجه من فنيي ومساعدى التمريض. الخطوة الثالثة: إلزام كل كلية بالدخول في علاقة ارتباط (affiliation) مع مستشفى أو أكثر (حسب عدد الطلبة) تتوافر فيها إمكانات جيدة للتدريب والإشراف ويوثق هذا الارتباط ضمن وثائق التخرج لتأكيد دور ومسؤولية المستشفيات في جودة المخرجات من خلال جودة التدريب. أخيراً لابد أن نتذكر أن دور الممرض والممرضة لا ينحصر في مساعدة الطبيب ورعاية المريض، بل أيضاً في شفاء المريض؛ فقد أوضحت دراسات أجريت في الولايات المتحدة أن هناك تناسباً طردياً بين عدد أفراد التمريض الأكفاء في المستشفى ونسبة الشفاء للمرضى.