تتجدد في السادس والعشرين من جمادى الآخرة من كل عام ذكرى غالية على كل مواطن، إذ كيف ينسى أن هذا اليوم هو الذي تسنم فيه مليكنا الغالي عبدالله بن عبدالعزيز -يحفظه- الله سدة الحكم. لا يتعب أي باحث في أن يرصد القفزات التنموية الكبيرة التي تحققت في عهده -حفظه الله، بل وحتى رؤية مليكنا في كل المجالات النهضوية العديدة، إذ له أقوال أتبعها بأفعال في ملفات هامة، وربما كان قراره الأخير بتعيين الأمير مقرن بن عبدالعزيز وليا لولي العهد، من القرارات الكبيرة والحساسة، ولكنه -حفظه الله- قرأ ما بعد المرحلة. ما يميز مليكنا هو قربه من المواطن، ولا أزعم بأنه أكثر ملوكنا -يرحمهم الله- قربا من الشعب، وأحبه الشعب بدوره وقد تلمس منه العفوية والبساطة والصدق والوضوح في التعامل، فها هو يقول لهم -حفظه الله- بإحدى المناسبات: "أقول بصدق وأمانة، إننا معكم، نعايش أمانيكم وأحلامكم، فلم يبق لنا من أمل في شيء سوى خدمتكم، والسهر على راحتكم، وتفقد أحوالكم، أينما كنتم في هذه البلاد في المدينة أو القرية أو الصحراء". تلمسوا تلك العفوية التي قصدتها في سطوري، بحديث الملك عبدالله لشعبه: "أقول لكل مواطن ومواطنة، لقد عرفتكم خلال السنين كما عرفتموني، وقد كنتم على الدوام مخلصين صادقين أوفياء للعهد، وستجدونني -إن شاء الله- مخلصا لديني ثم لوطني صادقا معكم، وفيا للعهد. ستجدونني معكم في السراء والضراء؛ أخا وأبا وصديقا صادقا، وسأكون بينكم في المسيرة الواحدة، نرفع كلمة الإسلام ورفعة الوطن". ربما كانت المرأة في عهد مليكنا من أكثر الفئات الاجتماعية التي لقيت اهتماما كبيرا منه، بل وأزعم أن القرارات الكبيرة التي صدرت للدفاع عن حقوقها لم تحظ بها طيلة عقود من السنوات الطويلة، بما تحقق خلال ثلاثة الأعوام المنصرمة، ولا غرو في ذلك، لأن رؤية القائد تجاهها كرسه في مناسبات عديدة، حيث قال: "المرأة هي أختي وأمي وزوجتي وبنتي، ولها حقوق شرعها الإسلام، وأنتم تعلمون ذلك". "المرأة السعودية هي مواطن بالدرجة الأولى، له حقوقه وعليه واجباته ومسؤولياته، وذلك وفق الضوابط الشرعية التي حددها الحق سبحانه وتعالى". وهنا رؤية خادم الحرمين الشريفين لمشاركتها المجتمعية، حيث قال: "لا يمكن أن نتجاهل بأي حال من الأحوال دور المرأة السعودية، ومشاركتها في مسؤولية النهضة التنموية التي تشهدها بلادنا، وفي خدمة دينها وبلادها وبناء الوطن، باعتبارها نصف المجتمع، إننا نتطلع أن يكون للمرأة دور كبير بحيث لا يحكمنا في هذا المجال سوى ميزان الشرع بما يحقق مصلحة الأمة". وتظل الوسطية في الدين هاجس خادم الحرمين الشريفين، والعالم كله لا ينسى مؤتمرات الحوار بين أتباع المذاهب والأديان والثقافات، ومليكنا -حفظه الله- رسم الطريق بكل وضوح لما عليه منهجنا، حيث قال: "إن هذا الوطن الذي يتشرف بخدمة الحرمين الشريفين، والذي تهوي إليه قلوب المسلمين من كل مكان، لا يمكن أن يضم فكراً يخرج قيد شعرة عن ثوابت العقيدة الإسلامية، كما أنه لن يقبل فكراً يحرف تعاليم الإسلام، ويتخذ شعارات خادعة لتبرير الأهداف الشريرة في تكفير المسلمين وإرهابهم، وإن شعبنا السعودي لا يرضى بديلاً عن الوسطية المعتدلة التي ترفض الغلو والتعصب بقدر ما ترفض الانحلال والإباحية". الملك عبدالله، وفترة حكمه الزاهية، سيظلان في ذاكرة تاريخ جيلنا وكل الأجيال التالية.