×
محافظة المنطقة الشرقية

مدرب الهلال:الإرهاق سبب تراجعنا

صورة الخبر

التفكير في مرحلة ما بعد ما يسمى «الربيع العربي» عمل مشروع في إطار استراتيجيات إدارة الأزمات، سياسياً وعسكرياً واجتماعياً وعقائدياً. ولكن قبل ذلك يجب دراسة أسباب نشوء ذاك «الربيع» وكيفية تطوره أو تغيره، ولماذا بدأ في تونس وانتهى في سوريا مروراً بليبيا ومصر واليمن. ويجب قراءة واستكشاف درجة نقائه، بمعنى، هل كان الربيع عربياً أم تم استيراده من الخارج، ولم يجد له بيئة صالحة للإقامة، ففشل وترك خلفه ملايين المشردين ومئات الآلاف من القتلى والجرحى والمعاقين والأيتام والأرامل؟ ناهيك عن الأمراض النفسية لدى الكبار والصغار. ولماذا بدأ ديمقراطياً وانتهى استبدادياً ومتطرفاً وإرهابياً؟تحضرنا في هذا السياق تجربة الثورة الفلسطينية التي انطلقت في أول يناير/كانون الثاني من العام 1965، أي مع انطلاق حركة فتح حركةً ليبرالية نضالية تهدف إلى تحرير فلسطين من «الإسرائيليين»، وانتهت تلك الثورة بالمطالبة بقيام دولة على الأراضي الفلسطينية المحتلة في العام 1967. ومرت خلال أربعين عاماً بما مر به «الربيع العربي» خلال خمس سنوات. ولا جديد حين نقول إن قادة الثورة الفلسطينية، أو لنستخدم مصطلح «منظمة التحرير الفلسطينية» التي اعترفت بها دول كثيرة في العالم، كانوا يعلمون عدم قدرتهم على الزحف نحو فلسطين وتحريرها، وإنما كانوا يهدفون إلى تثوير الشعب العربي واستقطاب الوطنيين العرب وتشكيل جيش لتحرير فلسطين، أو كانوا يطمحون إلى خلق أنظمة ثورية تتوحد في وجه العصابات الصهيونية التي احتلت فلسطين في العام 1948، ولكن ما حدث هو العكس تماماً، فقد أنشأت دول عربية مثل العراق وسوريا ومصر وليبيا تنظيمات فلسطينية، تعتمد على تمويل مباشر من تلك الدول، وتستقطب الشباب الفلسطيني، وكانت دول الخليج العربي تدعم حركة فتح على وجه الخصوص، ولم تكن هناك تنظيمات إسلامية متطرفة، فاليسار كان مسيطراً على التوجهات، حتى أن الصين والاتحاد السوفييتي وكل المنظومة الاشتراكية كانت تدعم تنظيمات فلسطينية تؤمن بالاشتراكية والشيوعية وتحارب «الإمبريالية»، وكانت تدرب المقاتلين في دورات عسكرية مختلفة. واستقطب كل تنظيم شريحة من الشباب الفلسطيني الذي كان يفيض حماسة ووطنية لقتال «إسرائيل» واستعادة أرضه. لكن تلك الثورة تعرضت للفساد والمؤامرات الداخلية والخارجية فاقتتلت داخلياً، ولم تصمد أمام الجيش «الإسرائيلي» في جنوب لبنان في العام 1982 أكثر من أيام، ودارت الحرب في بيروت وضواحيها حتى تم إجبار المقاتلين وزعيمهم الراحل أبوعمار على المغادرة إلى تونس واليمن والجزائر وغيرها، وخلال الفترة التي تلت الخروج ظهرت حركة حماس الإسلامية. لم تظهر دراسات حقيقية حول تجربة الثورة الفلسطينية، ولم يتم توجيه أي نقد لمسيرتها الفاشلة، فالمأزق الذي يعانيه الفلسطينيون حالياً هو المأزق الذي كانوا يعيشونه خلال الثورة الفلسطينية، أي الانقسام وعدم توحيد الصفوف. «الربيع العربي» لم يستغرق سوى سنوات قليلة حتى مر بجميع المراحل التي مرت بها الثورة الفلسطينية، فمن شعارات الديمقراطية والحرية والعدالة إلى شعارات التطرف، ومن المطالبة بدول يسودها التنوع إلى المطالبة ب«دولة الخلافة»، ومن جيش سوري حر، إلى تنظيمات وجماعات وألوية وإمارات هنا وهناك. والاختراق الذي تعرضت له الثورة الفلسطينية تعرض له «الربيع العربي» بصورة سريعة جداً، أسرع مما كان يتوقعه كثيرون. فمن سرق الثورة الفلسطينية ومن سرق «الربيع العربي»؟ وهل الثورة أكلت أبناءها كما الربيع العربي أم أن هناك من أكل أبناء الثورة والربيع؟ ولماذا انتهت الثورة الفلسطينية بتنظيمات متطرفة كما انتهى الربيع العربي بهذه التنظيمات الأكثر تطرفاً؟ ولماذا انحرفت المسارات في التجربتين؟ هل المال الذي أغدق على التجربتين هو الذي أفسد النفوس؟ أم أن هناك جهات تدخلت في التجربتين وأجهضتهما؟ فتركت الأولى شعباً مشتتاً في بقاع الأرض لم يعرف الاستقرار حتى الآن، بعد مرور حوالي سبعين عاماً، تعرض لمذابح ومجازر عديدة، وتركت الثانية شعوباً مشتتة ومهجرة وفقيرة، تعرضت أيضاً لمجازر ومذابح وغازات سامة، وضحاياه يعدون بالملايين خلال ست سنوات. إنها مفارقة عجيبة، والقواسم المشتركة عديدة بين الثورة الفلسطينية وما يسمى «الربيع العربي» من حيث المآلات والنتائج. الغريب في الأمر أن الفلسطينيين انتهوا بالتفاوض مع عدوهم «إسرائيل»، وتنظيمات «الربيع العربي» انتهت بمهادنة «إسرائيل»، بل إن هذه الدولة الاستعمارية الاستيطانية تدعم هؤلاء «الثوار» والمتطرفين الذين تم تصنيف بعضهم إرهابيين. «إسرائيل» استفادت من التجربتين، وبعدهما تقدم نفسها شريكاً في محاربة الإرهاب، كما قدمت نفسها في السابق محارباً للمخربين، وهي الصفة التي كانت تطلقها على المقاتلين الفلسطينيين. نحن في حاجة ماسة إلى دراسة الفشل في التجربتين، وليس النجاح، فكلتاهما لم تنجح، ولم تحقق أي نتيجة للشعوب التي انطلقت من أجلها، لابد من دراسة تجربة «الربيع العربي» قبل التفكير في دراسة ما بعده، فما بعده لا يختلف كثيراً عما بعد الثورة الفلسطينية! د.عبدالله السويجيsuwaiji@emirates.net.ae