عمداء المكتبات في دول مجلس التعاون يجتمعون للمرة السادسة عشرة كي يتدارسوا السبل التي تمكنهم من النهوض بمستوى المكتبات وروادها، وإذا كان من الممكن لهم أن ينجحوا في النهوض بمستوى المكتبات، فإن النهوض بمستوى رواد المكتبات يبدو مهمة شاقة، ولو أنهم اجتمعوا ستين مرة ما تيسر لهم النجاح ما لم يجتمع معهم وبهم بقية عمداء الكليات ومسؤولي التربية والتعليم في مختلف المستويات. وإذا كان بإمكان الميزانيات الضخمة التي يتم رصدها للجامعات أن تمكنها من تأسيس مكتبات ضخمة تسد احتياج الباحثين والدارسين في مختلف جوانب المعرفة والتخصصات فإن تلك الميزانيات التي لا تبلغها ميزانيات بعض الدول، لن تحقق لمكتبات الجامعات إقبالا من قبل الطلاب والمتخصصين ما لم يستشعر هؤلاء وأولئك أنهم بحاجة لتلك المكتبات، حاجة تشعرهم بها المسؤولية العلمية التي تضعهم أمامها المناهج التي يدرسونها، والعلوم التي يتلقونها على نحو لا يجعل قيمة المكتبات مرتبطة بما تضمه رفوفها وخزائنها من كتب ورقية ورقمية وإنما بما لتلك الكتب من قيمة وبما يمكن أن تسده تلك الكتب من احتياجات. قبل ما يزيد على الثلاثين عاما زرت مكتبة جامعة محمد الخامس في الرباط، كان في المكتبة ستون كرسيا مهيأة لجلوس رواد المكتبة، تعمدت يومها عد كراسي المكتبة لأني لم أجد كرسيا شاغرا أجلس عليه فانضممت إلى الواقفين وقد كانت أعدادهم تفوق أعداد الجالسين أضعافا مضاعفة، يومها لم أفكر فيما يتوفر في تلك المكتبة من كتب، وإنما فكرت في إدراك أولئك الجالسين والواقفين لقيمة المكتبة، وأهمية الكتاب. النهوض بمستوى رواد المكتبات سواء كانت مكتبات جامعية أو عامة لا يمكن أن يتحقق بدون النهوض بمستوى التعليم، واستعادة الجامعات لدورها المتمثل في أن مهمتها ليست أن تعلم الطلاب والطالبات العلم، بل أن تعلمهم كيف يتعلمون هم العلم.