يغيب القمر الشهر كله ولكن عندما يظهر يضيء السماء. هكذا كان صباحي عند قراءتي مقال الدكتور أحمد عبدالله عاشور في هذه الجريدة ليوم 17/4/2014م بعنوان «تخطيط أم تخبيط». فقد ملأ الدكتور أحمد نصف الصفحة بالوقائع والتواريخ والأسماء والأماكن والأرقام فقال: مشروع تأمين الغسيل الكلوي الذي وقعت وزارة الصحة عقوده مؤخرا مع بعض الشركات الأجنبية، بتكلفة إجمالية قدرها 13 مليار ريال، على خمس سنوات، وذلك لخدمة عشرة آلاف مريض، الدعوة مخصصة لثلاث شركات أجنبية حرمت المؤسسات الوطنية من الدخول فيها وهو ما يعني أن تقوم وزارة الصحة بشراء الغسيل الكلوي من شركات أجنبية خاصة تقوم بالإشراف الكامل والمباشر على كل مراكز الكلى التابعة لوزارة الصحة بكافة مناطق المملكة، رغم وجود الكفاءات العالية والقديرة والمقتدرة من المواطنين ولا حاجة لنا من الأجانب، فتلك هي عقدة الخواجة لا تزال وباء. لو قابلت جاهلا ليس له في العلم نصيب، أو جاهلا يجهل أنه جاهل، ثم طرحت عليه السؤال التالي: ما هو الفرق بين التخبيط والتخطيط؟ لقال لا فرق بينهما، فهما بمعنى واحد. وحين يجيب بذلك فإنه يظن أنه أتى بما لم تأت به الأوائل وأنه استطاع أن يتغلب على السائل بهذه الإجابة. أما إذا ألقيت نفس السؤال على تلميذ في المرحلة الدراسية الابتدائية وسألته عن الفرق بين هاتين الكلمتين لسارع بالقول: إن الفرق بين الكلمتين هو، أن الأولى ورد فيها حرف الباء والأخرى جاء حرف الطاء بدلا عن الباء. نعم هذا ما شرحه الدكتور أحمد في مقاله ووضحه عن التخطيط أم التخبيط. أما صاحب الخبرة والممارسة في التخطيط ومن يدرك أهمية التخطيط في الحياة وأنه أساس النجاح والوصول إلى الأهداف فقد كانت إجابته كاشفة للفرق بين التخطيط والتخبيط، وهنا يكمن الفرق بين الرؤية الدقيقة للأشياء وجعل جوهرها في بؤرة العين ومحط الأنظار، وهنا نجد أن هناك مشاريع وتصرفات في مجتمعنا لا تعرف التخطيط البتة ولم تسلك مسالكه. إن الذين ينسبون لأنفسهم العمل وفق مناهج التخطيط دون معرفتهم حقيقة الفرق بين التخطيط والتخبيط فتلك وربي مصيبة، أما إذا كانوا يعرفون حقيقة التخطيط ولكنهم ينحرفون عن مساره إلى التخبيط فإن المصيبة أعظم، والمصيبة الأعظم من ذلك هي بقاء هؤلاء في مناصبهم فذلك يعتبر مضرا إضرارا كبيرا بمصلحة العمل ومصلحة المجتمع بل ومصلحة البلاد لأن الضرر المصلحي العام مهما كان صغيرا أم كبيرا فهو كالسوس ينخر في جسد مصلحة المجتمع تهدر معه الأموال وتضيع الأوقات وتفوت الفرص وتتشوه الإنجازات. ومن أهم أسباب ظهور التخبيط في مشاريعنا الصغيرة والكبيرة في مرافق الخدمات في القطاع الخاص والعام هو غياب العقاب وتحديد المسؤولية. هناك نوعان من التخطيط أولهما «التخطيط الاستراتيجي» ومدته من 3 إلى 5 سنوات ثم «الخطيط طويل المدى» ومدته من 10 إلى 20 سنة. «التخطيط الاستراتيجي» يسأل: ما هو مجال العمل الذي يجب أن نكون فيه؟ هل نقوم بعمل الشيء الصحيح؟. وينظر إلى المستقبل على أنه غير قابل للتنبؤ. «التخطيط طويل المدى» يسأل: ما هو مجال العمل الذي نحن فيه؟. كما ينظر إلى المستقبل على أنه قابل للتنبؤ.