امرؤ القيس بن حجر الكندي قال في بعض قصائده: يطعمون الناس غبًا في السنين الممحلات في جفانٍ كالخوابي وقدور راسيات وقد تكلم بألفاظ جاء مثلها في القرآن، وشهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم. تزدحم المجلدات بالقصيد والقول، مشيرة أن البذل، وبالأخص الطعام كان من شيَم كرماء العرب. لكن ربما غاب عن الأذهان أن ذاك البذل مأكول، وفي عصور ممحلات، والجياع كما تُظهر معظم القصائد كُثُر والندرة في الصحاري معروفة عبر الأزمنة. واللافت أن عصرنا الخالي لا يمكن حسبانه من السنين الممحلات، ومع ذلك تعمر قصور الأفراح والاستراحات بموائد عامرة لا تؤكل، وضيوف يحضرون إلى ولائم الأفراح لا يمد يده كي يتناول من ذلك الطعام الباذخ. أكثر من نصف المدعوين إلى ولائم الزواجات يفرّ على عجل قبل. مع أن الدعوة تقول: وتناول العشاء. لن أجد من يعترض على ادعائي بأن ظاهرة الإسراف في عرض أصناف الطعام في حفلات الزواج ويتضح لي أن الأبهة تتساوى مع فخامة القصر أو الفندق. قصور الأفراح أسعارها فوق التصوّر ولا ننسى العشاء الباذخ والذي يبدو (من المظهر!) فاخراً ومعروضاً، لا لكي يسد الرمق، ولكن لكي يُرمى. الركض وراء الوجاهة جديد علينا، أي لم نكن نعرف الممارسة في عهود مضت. ومع هذا نشكو من تراكم الديون وطرح الفلسفات عن غلاء المهور. يحضرني مثل إنجليزي معروف (to reorder disorder) أي إذا أردت إعادة الترتيب ابدأ بالبعثرة أولاً. وفي الحقيقة إن ما تشعر به الآن من التبذير وعدم السيطرة على المصروفات هو البعثرة بعينها ولأنك شعرت بوجود هذا النمط من الفوضى يعني أنك قد خطوت الخطوة الأولى نحو إعادة الترتيب.