برازيليا: خوان فوريرو انضمت ديلما روسيف، عندما كانت شابة تعيش في ظل نظام ديكتاتوري عسكري وتقف ضد أشكال الظلم والاستبداد السياسي في البرازيل، إلى مجموعة ثورية ماركسية التوجه تحمل هدفا رئيسا هو إسقاط الدولة. وبعد مضي أربعين عاما وجدت الرئيسة روسيف نفسها تحت وقع اختبار الغضب: مظاهرات يومية تنظم في عشرات المدن في يونيو (حزيران)، متبوعة بحالة سخط محتدمة. بدت حالة الغضب من الفساد وتدني مستوى الخدمات موجهة إلى الطبقة السياسية بأكملها، مما أدى إلى خروج مظاهرات عنيفة أحيانا ضد حاكم ريو دي جانيرو، علاوة على احتجاجات ضد السياسيين في المناطق الأخرى من البلاد. لكن على المستوى الوطني، كانت روسيف، 65 عاما، الأكثر تضررا من حالة الاضطراب التي عجزت حكومتها المنتمية إلى تيار يسار الوسط عن التنبؤ بها. وقد أدى هذا إلى انقسامات في ائتلافها الحاكم واسع النطاق وجدال حاد داخل حزب العمال الذي تنتمي إليه، مع تلويح بعض الأعضاء بفكرة عودة الرئيس الأسبق لويس إناسيو لولا دا سيلفا، حسبما أفاد أعضاء في الحزب ومحللون سياسيون أجريت مقابلات معهم هنا في العاصمة البرازيلية. وقال جورج بيتار، عضو البرلمان من حزب العمال، إن جهود روسيف الموسعة منذ يونيو قد دعمت موقفها وقد تخوض سباق الترشح لفترة رئاسية ثانية العام المقبل. لكن ليس ثمة شيء محتوم، على حد قوله، لا سيما مع تراجع الاقتصاد وزيادة المظاهرات مجددا. في حال تراجع الفرص السياسية لروسيف، «نتجه إلى الخطة البديلة»، على حد قول بيتار الذي يضيف قائلا: «أتعلمون ماهية تلك الخطة؟ عودة لويس إناسيو لولا دا سيلفا مجددا كمرشح رئاسي». كان لولا، السياسي صاحب الشخصية البراقة الذي ربطته علاقة خاصة بأبناء بلده، قد اختار روسيف لتخلفه كمرشحة من حزب العمال في عام 2010 مع قرب نهاية فترته الثانية التي تبلغ مدتها أربعة أعوام. وحققت المرشحة التكنوقراطية، التي تهتم بالتفاصيل ولم تكن قد شغلت من قبل أبدا منصبا بالانتخاب، فوزا سهلا. وأشار لولا، الذي اتسمت الفترتان اللتان شغل فيهما منصب الرئيس بالنمو الاقتصادي القوي والانخفاض الحاد في مستويات الفقر، إلى أنه ليست لديه خطط للترشح مجددا. غير أن دوره الفعال والشعبي في السياسات البرازيلية (يقول إنه صديق ومستشار خاص لروسيف) جعل كثيرين هنا يتساءلون ما إذا كان بإمكانه أن يضحي بنفسه على حسابها. وفي مقابلة نادرة مؤخرا مع صحيفة «فولها» في ساو باولو، لم تبذل روسيف جهدا كبيرا من أجل تقليص الحديث عن دور لولا الكبير، مما يعطي البعض انطباعا بأنها ليست مسؤولة بشكل كامل. ولدى سؤالها عن حركة تهدف إلى إعادتها مجددا كمرشحة رئاسية، أجابت روسيف: «أعتقد أن لولا لن يعود، لأنه لم يرحل مطلقا». وعند سؤالها مجددا عن مطامح لولا، أجابت روسيف: «لا أعرف هذا يا عزيزي؟». تواجه روسيف أسئلة صعبة من أعضاء حزب العمال، بينهم مشرعون يخشون أن تكون مقاعدهم مهددة، ومن احتمال أن تكون سيطرة الحزب على منصب الرئاسة في خطر. وقال أدير روشا، أحد مؤسسي الحزب ومسؤول في حكومة لولا يتحدث بشكل منتظم إلى الرئيس السابق، إن ثمة انقساما بين أولئك الذين يرغبون في الانحياز لصف المتظاهرين والذين يدعمون بقوة رد الفعل «المؤسسي» لروسيف تجاه مطالب المواطنين. ويضيف روشا أن لولا يدعم روسيف كمرشحة للحزب لعام 2014، لكنه على الرغم من ذلك «يتحدث ويستمع ويتطلع إلى التحديات القائمة». تبقى روسيف السياسية الأكثر ترجيحا للفوز في الاستحقاق المقبل، لأن غالبية منافسيها قد فشلوا في استغلال مشكلاتها الأخيرة. لكن شعبيتها تدنت بسرعة وإلى حد كبير في استطلاعات الرأي، على نحو يبرز الضائقة العامة في بلد شهد اقتصاده تراجعا حادا منذ عام 2010. فقد بلغت نسبة الدعم الشعبي لروسيف أقل من 80 في المائة بقدر طفيف، عندما بدأت رئاستها في عام 2011، لكن تلك النسبة انخفضت إلى نحو 57 في المائة مع بداية يونيو. وبعدها جاء الهبوط الحاد إلى معدل استحسان نسبته 30 في المائة بحلول يوليو (تموز). وأظهر استطلاع للرأي أجراه معهد «داتافولها» نشر الأسبوع الماضي ارتفاعا طفيفا، غير أن الحكومة ظهرت في صورة مرتعشة وهي تحاول العثور على صيغة لتخفيف حدة مشاعر السخط والاستياء قبل بطولة كأس العالم لكرة القدم التي تقام في الكثير من المدن البرازيلية الصيف المقبل، وهي مناسبة يعتقد كثيرون أنها قد تكون مشجعة على تنظيم مزيد من المظاهرات. ويقول جواو تيليسفورو، 25 عاما، الذي كان يتظاهر في برازيليا ضد الحكومة: «أعتقد أنه في العام المقبل ستكون المظاهرات أكثر حدة. سوف تكون مماثلة لما هي عليه هذا العام، مع خروج العدد نفسه من المتظاهرين إلى الشارع، ولكن بقدرة أكبر على التأثير على ما يجري في هذا البلد». تبدو روسيف، الخبيرة في الاقتصاد والطاقة، مقوضة بفعل الاقتصاد الراكد وما يصفه أعضاء بائتلافها الحاكم بأنه عجز عن وضع أجندة سياسية جديدة. ويقول أوزفالدو مونتيل، وهو مؤرخ وخبير في تحول البرازيل إلى الديمقراطية: «لديها أسلوب في تطبيق السياسات يشبه من بعض الوجوه أسلوب أنجيلا ميركل، إنه أسلوب ألماني وهذا لا يصلح هنا». يصف معاونو روسيف الرئيسة بأنها ليست عازمة على الحكم فحسب، وإنما أيضا على تحديث الحكومة. فقد وعدت بتغييرات واسعة النطاق وتعهدت بمنح مزيد من الأموال إلى المدارس والمستشفيات، التي أججت خدماتها الرديئة ثورة الغضب. * خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»