×
محافظة المدينة المنورة

الصويدرة تشكو من الانقطاع المستمر للمياه

صورة الخبر

البصرة: فارس الشريفي بعد أن تبنى البرلمان العراقي أخيرا قصيدة شاعر العراق الأكبر محمد مهدي الجواهري بمطلعها الشهير «سلام على هضبات العراق.. وشطيه والجرف والمنحنى، سلام على باسقات النخيل... وشم الجبال تشيع السنا» نشيدا وطنيا للعراق، لم يتنفس البصريون الصعداء، فرمزهم الشامخ (النخلة)، التي جعلتهم يحتلون صدارة المدن العراقية والعربية بل العالم أجمع بأعدادها سابقا، لم يشفع لهم ذلك النشيد بنسيان فقدانهم تلك الصدارة بسبب الحروب بعد عام 2003، حيث خسرت البصرة أكثر من 11 مليون شجرة ولم يبقى فيها سوى مليونيين قابلة للتناقص المستمر بسبب شح المياه وتجريف الأراضي وملوحتها وسوء التخطيط الحكومي في معالجة المشكلة والاستثمارات النفطية ومخلفات الحروب. وفي الوقت الذي امتلأت فيه البصرة وخصوصا في سوق المقام وسط منطقة العشار، أشهر أسواق المدينة، بأنواع مستوردة من التمور قدمت من دول الجوار والخليج، كشف خبراء زراعيون أن المحافظة خسرت أكثر من 550 صنفا من أصل 600 صنف كانت تنتجه بساتين نخيلها سابقا رغم كل المحاولات الحكومية لإعادتها. وقال مدير مركز أبحاث النخيل في جامعة البصرة الدكتور كاظم جاسم لـ«الشرق الأوسط»، إن: «البصرة خلال السنوات العشرين الأخيرة فقدت الكثير من نخيلها حيث خسرت أصنافا كثيرة فبعد أن كانت تمتلك أكثر من 600 صنف، لا تجد فيها الآن إلا أقل من 50 صنفا». وأضاف: أن «سبب تراجع أعداد النخيل في البصرة يعود إلى ارتفاع نسبة الملوحة في الأراضي الزراعية وخصوصا في أبي الخصيب والفاو التي كانت تحتوي سابقا العدد الأكبر من النخيل، وذلك بعد ارتفاع ودخول مياه الخليج العربي وتمازجها مع مياه شط العرب الذي أصبح قليل المنسوب بسبب شح المياه». مشيرا إلى أن «هناك أسبابا أخرى ومنها تجريف الأراضي الزراعية إما بسبب الحروب المتتالية التي شهدتها المحافظة أو الزحف السكاني والتوسع العمراني، بالإضافة إلى الاستثمارات النفطية التي تدفع بتوسع مدينة البصرة نحو الأراضي الزراعية على حساب المناطق الصحراوية الغنية بالنفط». وأشار الدكتور جاسم إلى أن «المركز لا يمتلك الإمكانيات المادية للمساعدة في إعادة إحياء النخيل من خلال توزيع الفسائل على المزارعين بسبب ضعف الإمكانيات المادية والمساعدات المقدمة سواء من رئاسة الوزراء أو مشروع المبادرة الزراعية، حيث إن الأموال التي تم تخصيصها، رغم شحها، لم تصل لحد الآن». من جانبه، قال عمار النجار، مهندس زراعي، إن «البصرة مدينة السواد الحقيقي في العراق لم تعد كذلك، فبعد أن كانت تحتوي على 30 مليون نخلة في سبعينات القرن الماضي، تضاءل العدد إلى 13 مليون نخلة في الثمانينات والتسعينات، وصولا إلى مليوني نخلة في الوقت الراهن قابلة للتناقص». وأضاف أنه «يوجد في البصرة أصناف كثيرة من التمور ومنها أم الدهن، البرحي، الحلاوي، الساير، الخضراوي، تحسيني، أمجدي، دقلة موسى، هلالي، بريم أحمر، فرسي، الخلاص، أبنحماد أبو السويد، أبو فياض، أحمر حلاوي، إسحاق، البغدادي، أم البيض، أم الحلاى، أم الدريم، أم الصينية، أم الحلول، أم ثابت، أم حسنة، أم دراع، أم عبدة، بديعة، ريق البنات، زند العبد، خضيرية، حوز، حناية الملاية، حمرا، حليلي، جمايلي، تنور، أسحاقي، جباسي، تكلانة، أدخيني، أبو بقيع، أم الجساري، تفاحة، بيوضي، بيض البلبل، بني رعية، بنوشي، بن عمار، بنت سهلان، بنت الشيخ، بنت البحر، فريحة، معلانة، هبرة، هدلي، وطف، خضيرية، نرسيان، مهمال، مدادي، عطري، طبخ ربه، سهلانة وغيرها من الأنواع التي تعد تسميتها محلية غالبا». وتابع أن «الكارثة تكمن في أن أغلب تلك الأصناف غير موجودة في البصرة اليوم وكأنها تلاشت بشكل نهائي لعدة أسباب ومنها عدم وجود تقنيات للتكاثر، بالإضافة إلى موت بعضها وتهريب البعض الآخر من فسائل النخيل إلى إيران، وحل مكانها تمور مستورد سيطر على أسواق في المدينة». وأوصى باحثون في جامعة البصرة، بالعمل على إنشاء بنك وراثي لنخيل التمر يهتم بجمع وضبط الأصناف سيما النادر منها، ودعا الباحثون إلى إنشاء مكتبة إلكترونية خاصة بأصناف التمور لتكون قاعدة معلومات حديثة عن آفات وأمراض النخيل، وبضرورة العمل على إكمال مشروع جرد إعداد نخيل التمر في محافظة البصرة، وإشراك المؤسسات البحثية والباحثين للنهوض بواقع زراعة النخيل. وعند التوجه على امتداد شط العرب، من منطقة أبي الخصيب (30كلم) جنوب البصرة وحتى رأس البيشة في منطقة الفاو، وهي آخر بقعة يابسة بالأراضي العراقية، تجد ما يعرف بـ(مجازر النخيل)، وكأن العراق أصبح مقبرة ليست للبشر فقط وإنما حتى النخيل، بحسب قائمقام الفاو المهندس وليد الشريفي، وقال إن: «مقابر النخيل موجودة منذ حرب الثماني سنوات مع إيران ولم تعمل الحكومات المتتالية على العراق ليومنا هذا على إعادة أحيائها».وأضاف أن «المد الملحي الآتي من الخليج بالإضافة إلى تخلي المزارعين عن أراضيهم لصالح العمران السكاني أو البحث عن وظائف ليصطفوا في طوابير العاطلين عن العمل في العراق جعلت زراعة النخيل في آخر اهتماماتهم». المزارعون وتجار التمور في البصرة عبروا عن سخطهم على الحكومتين المحلية في البصرة والمركزية في بغداد، متهمين دول الجوار والسياسيين العراقيين بالعمل على عدم إعادة وإحياء نخيل البصرة. وقال محمد عبود، تاجر تمور، إن: «العجب العجاب تجده عندما تتجول في أسواق البصرة حيث تجد الاختلاف في أنواع التمور المعروضة وما كان معروض سابقا في أسواق المدينة، وكأن البصرة لم تكن المصدر الرئيس للتمور في العراق والعالم». وأضاف أن «أغلب التمور المعروضة بل وأجودها أتت للمدينة من كربلاء وبابل وبغداد والسعودية وإيران والإمارات». مشيرا إلى أن «تمر البصرة أصبح أقل عددا وأصغر حجما وغير مرغوب به ولم نجد أي تحرك حكومي لغرض إعادة الهيبة إلى من كانت مدينة التمور الأولى في العراق ونخيلها». إلى ذلك، قال فاخر الخصيبي، صاحب بستان، إن: «البساتين في المنطقة قد جرفت بسبب تحولها إلى دور سكنية مع سكوت من قبل الحكومة المحلية في البصرة وكأن الأمر لا يعنيهم بل كأنهم يحاولون تحويل البصرة من منطقة زراعية إلى صحراوية». وأضاف أن «زراعة النخيل من الأعمال الشاقة لأن النخلة لا تدر الثمر إلا بعد أكثر من خمس أعوام على زراعتها، وهذا يحتاج مالا وفيرا وماء اللذين لم يعدا متوفران لدى أغلب المزارعين». وتابع أن «على الدولة زيادة الحصص المائية لبساتين النخيل، وتشجيع الفلاحين على الاستمرار بزراعة النخيل من خلال تقديم القروض الميسرة ومساعدتهم في إدخال التقنيات الحديثة في الزراعة وهذه الأمور ستكون الكفيلة في إعادة مجد النخلة في البصرة».