وصل لمدينة المنصورة صبي من برابرة دنقلة من جنوب شرق السودان، يُدعي إبراهيم كتخدا السناري، واستقر بها وعمل بواباً، وتعلم القراءة والكتابة ودرس كتب التنجيم والسحر، إلى أن اشتهر بأنه عراف يكتب التعاويذ. لفت هذا الصبي بذكائه نظر أمراء المماليك إليه، حتى صار في وقت قصير من أكثر المقربين لمصطفى بك الكبير ومراد بك الكبير، وصار نائباً للأخير وأحد رجال الأعيان، الذين يمتلكون مماليك وخدم وأصبح ذو شأن عظيم. وفي التقرير التالي، يرصد «المصري لايت» قصة حياة إبراهيم كتخدا، مالك بيت السناري، استنادًا لما جاء في كتاب «عجائب الآثار في التراجم والأخبار»، للجبرتي، إضافة إلى تصريحات محمد عبدالستار كامل، مفتش عام لدى وزارة الآثار ومتحف الفن الإسلامي بالقاهرة، ومفتش آثار بيت السناري، لـ«المصري لايت». أصبح الفتى القادم من السودان صاحب نفوذ، وقرر بناء ثلاثة منازل بالمنصورة والإسكندرية والقاهرة، وانتهى من بناء الأخير عام 1794م، قبيل دخول الحملة الفرنسية علي مصر بأربع سنوات، وعُرف منزل القاهرة ببيت السناري بموجب حجة شرعية مُسجلة، ومحفوظة بأرشيف وزارة الأوقاف، بتاريخ 18 رمضان 1209ه و 1795م، ويقع البيت في نهاية حارة مونج بحي الناصرية بالسيدة زينب. ولكن إبراهيم لم يكن يعلم أن منزله سيكون ذو أهمية، فقد حمل هذا المنزل تاريخ مصر منذ نهاية العصر العثماني، وأطلقت فرنسا اسمه على شارع كبير في باريس قرب الحي اللاتيني، وهو أيضاً يحمل اسم الشارع الذي يوجد به المنزل حالياً. ومع مجئ الحملة الفرنسية علي مصر (1798- 1801)، هرب «السناري» إلى الصعيد لتجهيز جيش لمحاربة الفرنسيين، واستولى الفرنسين على المنزل ليقيم فيه أعضاء لجنة الفنون والعلوم، برئاسة جاسبار مونج عالم الرياضيات ضمن الحملة لعمل دراسة منهجية للبلاد انتهت بكتاب «وصف مصر». وصار المنزل مجمعًا علميًا، على نفس شاكلة المجمع العلمي بفرنسا وضم أربعة أقسام هم، قسم الرياضيات، وقسم الطبيعة، وقسم الاقتصاد السياسي، وقسم الآداب والفنون الجميلة، وتم انتخاب مونج رئيساً للمجمع في أولى جلساته، وبونابرت نائباً للرئيس، وبمغادرة الفرنسيين لمصر عام 1801 توقف نشاط المعهد. ورغم ذكاء إبراهيم السناري، إلا أنه قُتل ضمن مجموعة من الأمراء المصريين، علي يد حسين باشا في أكتوبر 1801م، ودُفن بالإسكندرية مع باقي الأمراء. وبالنسبة لعمارة المنزل، فهو يتكون من جزئين الجزء الغربي، يشمل المقاعد وقاعات الاستقبال والجزء الشرقي يشمل الغرف الثانوية، وكانت تكلفة بنائه (17578 ريال مصري)، طبقاً لوثيقة الوقف حيث تم شراء أرض المنزل على أربع مراحل، كل مرحلة بقطعة مما جعل 10 سنوات وقتاً منطقياً لإنجاز المنزل. ومر المتحف بالعديد من الشدائد، حيث سكنه العديد من الناس ولم يهتموا بصيانته، حتى أتت لجنة حفظ الآثار عام 1913م للاهتمام بالمنزل وصيانته وترميمه، وأتى إلى المنزل أحمد زكي باشا ومعه هرتس باشا لإعداد خطة صيانة المنزل التي كلفت 50 جنيهاً. وفي عام 1916 قام جلياردون بك بتقديم طلب لأعضاء لجنة حفظ الآثار، يرجو فيه بالموافقة على إستئجاره لبيت السناري، لكي يجعله متحفًا يعرض فيه مجموعته الخاصة التي تتحدث عن الحملة الفرنسية من رسوم ومخطوطات على مصر وسوريا، وبالفعل أقام جلياردون المتحف باسم «متحف بونابرت» في الفترة من 1917 إلى 1927 وأُغلق بعد وفاته. وفي عام 1920 تم ترميم المنزل بمبلغ 200 جنيه، وتكرر هذا عام 1925، وتم تخصيص مبلغ 2000 جنيه لشراء المنزل، من قبل لجنة حفظ الآثار من وزارة الأوقاف واعتباره أثرًا مملوكًا لمصلحة الآثار عام 1948. وقام مركز الحرف الأثرية التابع لهيئة الآثار، بشغل هذا المنزل من الستينيات من هذا القرن، وكل هذا تسبب في حدوث أضرارًا بالغة بالمنزل، وأضاف عليها زلزال 1992، الكثير إلى أن قام المجلس الأعلى بالتعاون مع البعثة الفرنسية بالقيام بترميم المنزل عام 1996. ولما لهذا المنزل من أهمية، قدم الدكتور إسماعيل سراج الدين مدير مكتبة الإسكندريةعام 2009، طلبًا بتقديم المنزل للمكتبة، وبعد موافقة اللجنة الدائمة للآثار الإسلامية، تم تسليم المنزل للمكتبة في شهر 6 عام 2010، وتم تجهيز المنزل في 6 أشهر ليستقبل الجمهور في بداية يناير 2011، وأقيمت أولى أنشطة المكتبة به قبيل ثورة يناير بأيام بالتحديد في شهر 8 عام 2011. وبالفعل تقوم مكتبة الإسكندرية الآن بعمل دراسة، لمشروع ترميم المنزل وتم التعاقد مع مركز هندسة الآثار جامعة القاهرة، ويقوم هذا المنزل باستدعاء من لديه موهبة ولا يجد منبرًا ولا مكانًا لعرض موهبته، فهو ورشة تقوم بتنمية المواهب بهدف غير ربحي على الإطلاق. وبما أن مكتبة الإسكندرية تحملت مسؤولية، إحياء الدور القديم لبيت السناري لكي يصير منبرًا للعلوم والثقافة والفنون، فقامت بعمل العديد من الفعاليات الثقافية والفنية، مثل المعارض والندوات والمنتديات وورش العمل والعروض المسرحية، كما تقوم بعمل حلقات نقاش علمية حول مستقبل العلوم والمعرفة على عدة مستويات، فقامت المكتبة بتحويل البيت لمنفذ ثقافي هام، بحي السيدة زينب يهدف لنشر الثقافة والوعي في المناطق المحيطة.