اتهم مستشار في التخطيط الإعلامي والتطوير قطاعات حكومية بـ «الفشل» في استثمار مهارات وأدوات العلاقات العامة الحديثة بالشكل المطلوب، على رغم توافر الإمكانات المادية والمعنوية، مشيراً إلى أنها تعتمد مفهوم «الإقناع» كأساس للاتصال بالجمهور. وقال الدكتور سلطان الحمزي: «لا تزال بعض قطاعات العلاقات في المؤسسات الحكومية تنطلق من مفهوم النشر بشقيه الترويج والمدافعة». وذكر الحمزي في تصريح إلى «الحياة» أن من أخطر ما نتج بسبب هذين المفهومين «النزوع إلى التطبيل، والمجاملة لمصلحة المسؤول على حساب المنظمة. وهو الأمر الذي تحررت منه العلاقات العامة الحديثة، لأنها تفصل بين التطبيل والمجاملة، وصناعة صورة ذهنية للمنظمة تسهل عليها تحقيق الأهداف المتعلقة بالجمهور بأسهل الطرق»، لافتاً إلى أن «التطبيل والمجاملة يصرفان سلوك العلاقات العامة من صناعة الصورة الذهنية الحسنة للمنظمة إلى صناعة صورة ذهنية للمسؤول ذاته، وهنا يتجلى الفشل، إذ مهما طبلنا للمسؤول وضخمناه ستظهر الحقيقة عبر أداء منظمته، فالجمهور في النهاية يطلب النتائج ويحاكمها بوعي كبير». وأجرى المستشار في التخطيط الإعلامي والتطوير عملية مسح على أخبار كانون الثاني (يناير) وشباط (فبراير) الماضيين لإحدى أنشط الوزارات على الصعيد الإعلامي. وقال: «فوجئت بأن المادة الصحافية خبرية صرفة، وتتمحور حول الدفاع عن الوزارة، والترويج الإخباري لأنشطتها، وبمضامين عائمة، والنشر الإلحاقي. كما أن 30 في المئة من المادة الخبرية المنشورة احتوت وعوداً فضفاضة، إضافة إلى أن 46 خبراً كانت تصريحاً مباشراً باسم الوزير، و43 خبراً تضمنت تهديداً ووعيداً، وهذا ما نشر خلال 59 يوماً». وأضاف الحمزي أن «العلاقات العامة الحديثة اهتمت كثيراً بالجمهور المستفيد، لذلك هي تتنبه إلى مضمون الرسالة التي ستصل إليه، وطريقة صياغتها، والوسيلة الأفضل لإيصالها»، لافتاً إلى «تأثير المستهدف من الرسالة الإعلامية في المضمون الذي ستحمله الرسالة، وأسلوب الصياغة والوسيلة التي ستوصلها». وقال: «التحكم في مجموع منتجات الرسالة الإعلامية لناحية الإيجاب والسلب، ومستوى المضمون المتوافق مع الشخص المسؤول، من ضرورات العلاقات العامة. وتكمن تلك الأهمية في التأثير الذي ربما تؤديه الرسالة الإعلامية في مجموعها على ذهن المستهدف، فلو خلقت انطباعاً سلبياً سينتج منه تراكم انطباع سلبي، ومن ثم تشكيك، وانعدام الثقة، وهذا مثال لواحد من النتائج التي ربما تحدث في غفلة من منتجي العلاقات العامة». وأشار الحمزي إلى واحدة من أهم أدوات العلاقات العامة الحديثة «النزوع إلى التخطيط المتكامل قبل وأثناء وبعد. ويتجلى ذلك في اندماج كل الأدوات الإعلامية ضمن رؤية واحدة، ولخدمة هدف واحد، وبالتالي هي تفرض على المسؤول، حتى لو كان الأعلى في المنظمة، أن يندمج في الخطط الموضوعة، مع الحفاظ على كونه رأس الصقر فيها». وقال: «حين يتحول هدف ظهور المسؤول في الإعلام إلى مجرد الظهور، هنا يبدأ الارتجال، ما يحوله إلى خصم في العقل الباطن للمتلقي». وأشار الحمزي إلى أن عدم التخطيط المسبق في أنشطة المنظمة «يهدر عليها فرصاً كبيرة لكسب ثقة الجمهور المستهدف. كما أن التخطيط المسبق يمنحنا القدرة على التركيز في تحقيق الهدف من المشروع بوسائل منوعة، تتنوع بأنماط القدرات الذهنية للإنسان، حرصاً على إيصال الرسالة إليه وبشكل مباشر، إضافة إلى أن التخطيط المسبق يمنحنا الفرصة للمراجعة والتقويم، إذ إن وجود الخطط يسهّل معرفة ما حدث، ومتى حدث، ولماذا حدث، وكيف حدث. وبالتالي نكتشف بجلاء القصور والأخطاء ونعالجها، وهذا لن يحدث إذا كانت العلاقات العامة عشوائية». وأكد أن العلاقات العامة اهتمت بمفهوم «القياسات السبقية»، التي على أساسها «تحدد توجهات الرأي العام، وتستطيع أن تجعل قراراتها منسجمة مع تلك التوجهات». وقال: «أما إن كانت القرارات غير منسجمة، فالقياسات السبقية تمنحنا الفرصة أن نتعامل بحذر من خلال خطة متكاملة للاتصال بالرأي العام، تنتهي إلى إقناعه بالمشروع من دون الحاجة إلى المصادمة والفرض. وأيضاً تمنحنا قياسات ردود الأفعال بعد صدور المشاريع والأنظمة الفرصة للتصحيح والتصويب، أو للتعامل بدقة مع الردود السلبية واستثمارها إيجابياً».