لا يكاد يمر أسبوع من دون أن ينظم، في هذه المدينة المغربية أو تلك، معرض جهوي للكتاب أو فعالية ثقافية لها ارتباط مباشر بالكتاب وفعل القراءة. ودأبت المديريات الجهوية التابعة لوزارة الثقافة، بمختلف جهات المغرب، بتعاون مع ولايات ومجالس الجهات والجماعات الحضرية، على تنظيم معارض جهوية للكتاب والنشر، رافعة شعارات تتفاوت في مواضيعها، وتشترك في المضامين والاستراتيجية التي تحركها، من قبيل: «لا مناص من الكتاب»، و«في رحاب متعة القراءة»، و«القراءة: ارتقاء بالإنسان ونهوض بالتنمية»، و«الكتاب وفن القراءة»، و«الكتاب في خدمة ثقافة القرب»، و«معرض الكتاب فضاء المبدع والقارئ»، و«شغف المقروء»، و«معاً من أجل القراءة»، و«الكتاب بوابة المعرفة»، و«القراءة: متعة، معرفة، انفتاح»، و«تكريس ثقافة القراءة دعامة أساسية للتنمية المستدامة»، و«القراءة لأجل تنمية مجتمعية واعية ومتجددة»، و«جهة تقرأ، جهة تتطور» و«القراءة من أجل التنوير» و«القراءة جسر للتواصل» و«الكتاب جسر للمعرفة». وجرت العادة أن تشارك في فعاليات هذه المعارض الجهوية دور نشر وطنية ومكتبات محلية ومؤسسات حكومية وجامعية. وبالموازاة مع هذه المعارض، يتم تسطير برامج تنشيط منفتحة على مختلف مناحي الفكر والإبداع، من شعر وقصة ورواية ونقد ومسرح وسينما وتاريخ وتربية وتشكيل، على شكل محاضرات وندوات وتوقيعات كتب ومعارض للفنون التشكيلية وأمسيات شعرية، تشارك فيها فعاليات ثقافية محلية ووطنية، فضلاً عن تنظيم ورشات تكوينية لفائدة شرائح عمرية مختلفة، خاصة الأطفال منهم، تهم مجال القراءة والكتابة والحكي والفنون التشكيلية، بشكل خاص. وتندرج فعاليات هذه المعارض ضمن برنامج تسهر عليه وزارة الثقافة، في إطار تنفيذ سياستها الهادفة إلى «التعريف بالكتاب وتقريبه من القارئ»، و«تشجيع القراءة العمومية»، و«تشجيع الإبداع والمبدعين محلياً وجهوياً»، وكذا «التعريف بدور النشر الوطنية، وبآخر إصداراتها ومنشوراتها»، مع التأكيد على «أهمية الكتاب في إنتاج المعرفة ونشرها على نطاق واسع»، حرصاً على «تحقيق قرب ثقافي من كل شرائح المجتمع المغربي». ويرتكز تنظيم المعارض الجهوية للكتاب على خمسة محاور، بينها نهج سياسة القرب في المجال الثقافي، والذي يقوم على مفهوم واسع للقرب المجالي والاجتماعي والثقافي، يهم، بالأساس: «تقريب الخدمات الثقافية من المواطنات والمواطنين بمختلف جهات المملكة من خلال توسيع شبكة المؤسسات الثقافية وتعزيز العرض الثقافي»، عبر تنشيط المراكز الثقافية والمكتبات العمومية وتنظيم معارض الكتاب والفنون التشكيلية. ويناهز عدد المعارض الجهوية، المنظمة سنوياً، 16 معرضاً، تغطي جميع جهات المغرب، تسعى من خلالها وزارة الثقافة إلى التركيز على قطاع الكتاب، من خلال دور النشر والمكتبات، داخل الجهات، مع الانفتاح على بعض دور النشر خارجها، مع الإشارة إلى الدور المكمل الذي تقوم به هذه المعارض الجهوية للدور الذي يقوم به المعرض الدولي للنشر والكتاب بالدار البيضاء. وتكتسي المعارض الجهوية للكتاب، بحسب عدد من المبدعين، أهمية كبرى، لكونها تنفتح على الطاقات المبدعة في الجهات، مع دعوتهم إلى إغناء مضمونها، حتى تحقق الغايات المرجوة. ويرى الناقد والباحث منتصر دُوما أن «الانفتاح على الهوامش بتنظيم معارض جهوية للكتاب لا بد أن يساهم في دعم المقروئية وتوسيع قاعدة تداول الكتاب بالمغرب على المستوى المتوسط والبعيد، أمام تدني سوق الكتاب وانحباس فعل القراءة عموماً». غير أن إقرار دوما بأن هذه المعارض تشكل «فرصة للقرب وللقاء بين المبدعين وعموم جماهير القراء»، لم يمنعه من بسط جملة ملاحظات، بخصوص حصيلتها، حيث يقول: «للأسف، لم يواكب هذا الانفتاح سياسة تواصلية فعالة؛ إذ تمر بعض المعارض في غفلة من الساكنة المحلية، فضلاً عن أن هذه المعارض تبقى شبه محصورة في عارضين وكتبيين محليين؛ وهو ما يجعلها أشبه بأسواق منظمة للمكتبات المحلية، دون وفرة في النوع». ولتجاوز هذا الوضع، يعتقد دوما أن «فكرة المعرض الجهوي يجب أن تنطبع بالثراء، وبضخ أكبر عدد من العناوين الصادرة، وطنياً وعربياً، نحو المعارض الجهوية، حتى تكون فعلاً فرصة لتقريب الكتاب وجديده. وهنا تطرح على عاتق الوزارة مسؤولية تشجيع العارضين وطنياً ومن دول أخرى لبعث الروح في المعارض الجهوية وإعطائها بعداً أكبر يليق باحتفالية الكتاب». ويرى دوما أن «من الإشكالات التي تطرح أمام المعارض أنها تتحول، في بعض الأحيان، إلى أسواق للفرجة والتجول، دون تنشيط ذكي يقرب الجمهور ويشركه في أنشطة المعرض، ودون تواصل قبلي فعال ومستهدف من طرف المديريات الجهوية للساكنة المحلية ومع كافة المقتنين المحتملين، بل، وفي بعض الأحيان، حتى مع عموم المثقفين». وختم دوما وجهة نظره، بقوله إن المعارض الجهوية للكتاب، التي هي «مبادرات محمودة»، تبقى «في حاجة لمزيد من التطوير وإغناء المضمون من أجل استقطاب أعداد كبيرة من المقتنين، وبالتالي توسيع قاعدة القراءة».