×
محافظة المنطقة الشرقية

المشاريع الحكومية بين ضعف الرقابة وغياب المتابعة | د. محمود إبراهيم الدوعان

صورة الخبر

«عدت إلى بيت أهلي بعد زواج دام ثمانية أشهر. كان يكبرني بـ19 عاماً، طلقني لأنه اكتشف أني لا أفهم جيداً ولا أستوعب ما يطلبه، وإلى الآن لم أعرف ما الذي كان يجب أن أفهمه. أنا حامل الآن وعمري 14 سنة، وأخاف كثيراً حين أفكر بالولادة لأنني سمعت أنها صعبة جداً... أخاف أن أموت»، بهذه العبارات تختصر «حسنا» قصتها، بعدما زوجتها زوجة والدها سريعاً رغبة في التخلص من بنات زوجها بالدرجة الأولى، أو جعلهن صفقات مادية مربحة. وتتأرجح هذه القضية في المجتمع السعودي، ما بين رؤية شرعية، وأخرى اجتماعية، فلا يزال الكثيرون يرون أن مجرد بلوغ الفتاة يؤهّلها للزواج، من دون اعتبارات أخرى للنضج العقلي والنفسي والقدرة البدنية، وفيما حددت الجهات الرسمية سن الطفولة لبلوغ بالـ18، إلّا أن أمر تزويج الفتيات تحت هذا العمر يقع خارج الحسبة لمن يسعى إلى هذا الزواج، ما دفع بوزارة العدل السعودية إلى تكليف باحثين للعمل على مقترح مشروع ينظم سن الزواج. ويقتضي المشروع الإذن بزواج من هي دون الـ16 بعد استكمال ثلاثة ضوابط وردت فيه، وأهمها أن يتقدم ولي الفتاة بطلب استثناء ابنته من السن المعتبرة في المشروع، مع إحضار تقرير طبي من لجنة مختصة مكونة من طبيبة مختصة في النساء والولادة ومختصة نفسية واجتماعية، يثبت أن الفتاة مكتملة من الناحية الجسدية والنفسية والاجتماعية، وأن زواجها لا يشكل خطراً على صحتها وحياتها، وأن تثبت لدى القاضي موافقة البنت شخصياً وموافقة والدتها، وبالأخص إذا كانت الأم مطلقة، فتُعطى الفتاة فرصة قبل إتمام الزواج لتهيئتها من الناحية النفسية لمتطلبات الزواج والحياة الأسرية. ولم يستثن المشروع أهمية الدور الإعلامي في تثقيف المجتمع وتكثيف الوعي لأولياء الأمور، ولا يزال المشروع قيد الدراسة، إذ لم تتم مناقشته في مجلس الشورى للخروج بتوصيات للجهات المعنية. وتقول عضو مجلس الشورى الدكتورة نورة المبارك إن هذه القضية هي من «ضمن مجموعة من القضايا المتعددة التي تُعنى بالمرأة والأسرة، وما أكثرها، إلّا أنها مقارنة بقضايا كثيرة ومتعددة، فالأولوية المطروحة الآن لقضايا النساء والمحاكم، بخاصة قضايا المعلقات والمطلقات والنفقة، وقضايا المرأة والميراث والتي تعتبر من أكبر القضايا التي تعاني منها نسبة كثيرة من النساء السعوديات التي لا تحظى بتغطية إعلامية كافية للأسف». وتؤكد المبارك أن قضايا زواج القاصرات، لم تصل إلى حد اعتبارها ظاهرة كما هي قضايا الإرث، وهذا الأمر نلمسه في لجنة حقوق الإنسان في المجلس، وتتساءل في الوقت ذاته عن الإحصاءات التي يجب أن تصدرها مصلحة الإحصاءات العامة عن هذه القضايا، ليمكن تحديد ما إذا كانت ظاهرة تقتضي أن يكون لها الأولوية في إصدار النظم والتشريعات. وكانت إحدى أعضاء مجلس الشورى في الجلسة الـ21 من هذا العام، انتقدت إغفال محور الأسرة وزواج القاصرات من حقّه في النقاش داخل أروقة المجلس. وكان وزير العدل السعودي محمد العيسى ربط هذه المشكلة بإحصائية «الطلاق المقلقة» في المجتمع، موضحاً «أننا لا ننازع بالفتاوى الشرعية المنصبّة على الحكم التكليفي، فأحاديث الفقهاء في هذا الأمر واضحة، ولكنها لم تتطرق إلى موضوع المصالح والمفاسد». وعن خطورة الزواج في وقت مبكر، توضح طبيبة الأسرة والمجتمع الدكتورة نهلة سويلم أن الإحصاءات العالمية توضح أن وفيات تقع للفتيات أثناء الحمل والولادة، خصوصاً من عمر 12 إلى 18 سنة، فهن يتعرضن للنزيف والإجهاض المتكرر وعسر الولادة، إذ إن الزواج يجعل جسد الفتاة منهكاً، بخاصة حين يكون نموها غير مكتمل، وخبرتها معدومة، خصوصاً في البيئات التي تنعدم فيها الرعاية الصحية والمتابعة المستمرة حتى الولادة، لذا تكون الفتاة غالباً هي الضحية لهذه الأخطار. وفي هذا الشأن يشرح عضو هيئة كبار العلماء والمستشار في الديوان الملكي السعودي الشيخ عبدالله المنيع وجهة النظر الشرعية قائلاً: «لا يخفى أن ولاية الرجل على المرأة في زواجها هي نوع من مساعدتها في تقرير مصيرها الأسري، وليست الولاية سبيلاً لتسلط الرجل على المرأة على سبيل استغلالها، لذا عليه ومن هذا المنطلق أن يستشعر مسؤوليته في هذه الولاية ويبذل جهده في سبيل تحصيل مصلحة وليته سواء كانت ابنة أم أختاً، ولا يعني ذلك أن ليس للمرأة حق في تقرير إرادتها، بل هي الأولى في اتخاذ هذا القرار». ويضيف: «أشار أهل العلم إلى أنه لا يجوز إجبار الفتاة على الزواج بمن يتقدم إليها، وأن على الأب ضرورة التحري والشعور بالمسؤولية تجاه ابنته واختيار من يغلب على الظن بمن هو كفؤ لها في دينه وخلقه وكفاءته الاجتماعية». ويوضح: «أما رأي الفقهاء في تزويج الصغيرة، فإنه لا يجوز، وهناك من قال بجوازه إذا كانت المصلحة ظاهرة للمولية بذلك ولها حق الاختيار»، مشيراً إلى أنه في وقتنا الحاضر ونظراً إلى تغير الأحوال وازدياد الطمع وتغير المفاهيم هناك من يرى أنه يجب رفع الأمر إلى القاضي، للتحقق من مصلحة الزواج، وحتى في ما بعد الزواج لها أن تُخيَّر في فسخ الزواج أو المضي فيه».