النسخة: الورقية - دولي ليس بالأمر المألوف وقوف عدد من أعضاء مجلس الشورى بهذه الشجاعة والجسارة والثقة بالنفس، وفي وجه أحد أعضاء هيئة كبار العلماء، والتأكيد على أن رأيه يخصه هو، وأن المجلس لن يُلقي بالاً لما قيل. هذه المعركة الضروس، يا سادة يا كرام، التي تميزت بعواصف رعدية محملة بالتراب جاءت في معرض «رياضة بدنية للبنات»، لا تزيد على ركض وقفز وتطويح يدين في الفضاء، وهذه الحركات لن تؤدى أمام شاشات التلفزيون العالمية في الأولمبياد العالمي، ولا في إستاد الملك فهد بالرياض، بل في حصة رياضة بدنية في مدارس بنات وسط معلمات وطالبات كلهن إناث، وخلف أسوار طويلة عريضة بعيدة عن العين والقلب، لكن شاغل المعترضين كان: أين تخلع الفتيات ملابسهن؟ وحين سمعت السؤال للمرة الأولى أسقط في يدي. خفت أن يكون السؤال كميناً سيقع فيه مَن يجيب عنه، لذلك جلست أياماً طويلة أفكّر في الجواب، حتى خرج علينا مكتشف عبقري وصاح: «في الحمّام»، وقال آخر في غرفة تبديل الملابس، اكتشفت وقتها أن السؤال كان أسهل من الجواب. قاتل الله الجهل! في ظني أن الفائدة الـ10 التي نجنيها من دخول النساء في مجلس الشورى، ليست في دفاعهن عن حقوق النساء، بل في أن الرجال وجدوا أنفسهم في مواقف تقتضي الشجاعة والرجولة أمام زميلاتهم في المجلس، وأن من العيب بعدما خضن تجربة مشاركة النساء في مجلس الشورى وكسب احترامهن أن يتركوهن وحيدات يتعرضن للشتم والتعريض، مع الرغبة في كسب إعجابهن بمواقفهم، لأنه من اليوم فُتِحت في ملف كلٍ منهم صفحة بعنوان: «نصير المرأة» أو «عدو المرأة»، ومن دخلها لن يخرج منها. ظهور شيخ من المشايخ المتشددين يهاجم مشروعاً إصلاحياً تعليمياً أو تنموياً ربما لا يخص المرأة بالضرورة، ليس بالأمر الجديد. إذ كتبت قبل أيام عن ذلك الشيخ الذي هاجم برنامج الابتعاث في أكبر جامع بالرياض، وهذا هو آخر يهاجم قرار مجلس الشورى في مسجد آخر شهير، لكن التصدي له بهذا الوضوح يعني أن الضيق ربما طاول الطرفين، وطريق الحياة سُد، حتى ما عاد له جواب إلا «التطنيش». الشيخ الذي هاجم القرار - الرياضة في مدارس البنات - لم يكتفِ بوصفه كبيرة من الكبائر، على رغم أن جوابه كان مطلعه أن «ليس لديَّ علم به»، ولضيق وقت الشيخ الذي لا يلزمه التريث لدرس القرار أو السؤال عنه، كان أقرب جواب له «أنه من الكبائر»، ولم يكتفِ بهذه الفتوى التي أشعلت الأجواء وكدرتها، بل مال على أعضاء مجلس الشورى ووصفهم بأنهم «يجيدون القراءة والكتابة وحملة شهادات فقط»، وعليهم بترك العلم لنا وعدم التدخل في هذه الأمور. الشيخ المعترِض على رياضة البنات، لديه فتوى أكثر شهرة، كانت الدعوة إلى قتل مُلاك الفضائيات، وسبقها وقوفه بعناد في وجه تطوير نظام القضاء وتقنينه، وهو من أهم المشاريع الإصلاحية للملك. وهاجم الشيخ قرار الدمج الإداري لوزارة التربية للبنين مع رئاسة تعليم البنات، ووقف في وجه إخراج بطاقة المرأة المدنية ووضع صورتها عليها. ربما يظن بعضهم أن الشيخ يلبي فكر شريحة من الناس، وهذا فيه جزء من الحقيقة، ومن حق الشيخ أن يقول ما أعجبه، ولكن من دون أن يجعل من قرارات التنمية كبائر وتخريب أخلاق، لأنهم بعد حين سيكتشفون أنهم مخطئون بل ومتعصّبون. ففي مجتمعنا السعودي كان شرب القهوة قبل 100 عام من الكبائر، واليوم عار عليك إن لم تقدمها لضيفك، وكان منكراً أن تذهب الفتاة إلى المدرسة، واليوم صار منكراً عدم ذهابها، وكذلك قيادة الدراجة والأكل في المطاعم، أين ذهبت تلك المنكرات؟ إلى صفحة في التاريخ اسمها من عجائب التاريخ الاجتماعي، أو في فقرة «هل تصدق»؟