مسرحية حالة حصار لألبير كامو تعكس ظاهرة الدكتاتورية وأنظمة الهيمنة المرتبطة بها إلى جانب اكتساح الأنظمة الرأسمالية البيروقراطية التي تتسلل إلى كل تفاصيل حياتنا.العرب عمار المأمون [نُشر في 2017/04/16، العدد: 10604، ص(15)]فزع المجتمعات الأوروبية من قدرة الإنسان على القتل خلال فترة ما بين الحربين يتكرر اليوم عُرضت مسرحية "حالة حصار" للفرنسي ألبير كامو أول مرة عام 1948 إذ كتبها متأثراً بـ"جورنال سنوات الطاعون" تأليف دانيل ديفو، كما نراه يشير في مقدمة المسرحية إلى أنها ليست اقتباساً عن روايته “الطاعون”، لكن حينها لم تلق المسرحيّة نجاحاً باهراً بالرغم من أن كامو استخدم العديد من تقنيات العرض المسرحيّة حسب ما يشير هو في مقدمة النص. حالياً يشهد مسرح “تياتر دو فيل” في باريس عرض “حالة حصار” السابقة، إخراج إيمانويل ديمارسي موتا، وفيه نعيش تجربة مرعبة مع طاعون يجتاح المدينة ضارباً أساسها ومفتتاً بنيتها ليعيد خلق نظام دكتاتوري بيروقراطي يزعزع الحياة في المدينة وعلاقات سكانها، مغرقاً إياهم في الوباء الذي ينتقل بينهم باللمس وعبر الهواء، ليغرق سكان المدينة في صراع جوهره الخوف من العدوى ومحاولة النجاة من نظام يطلب منهم ورقة رسمية ليبرروا فيها "سبب وجودهم"، وإلا سيكون مصيرهم الموت. يبدأ العرض دون أن ندري، إذ نرى أحدهم يحيّي الحضور، ثم يدعوهم للرقص، مع شاشات في الأعلى تصور من يرقص، ليتوالى ظهور الممثلين من بين الجمهور أو دخولهم من البهو، وكأننا في أمسية لطيفة في مكان عام، فجأة تعلو صفارة الإنذار، وتبدأ الرسائل بالظهور على الشاشة "إنها نهاية العالم" و"إنها نهاية مدينتنا" لنشهد نوبة فزع تجتاح الجميع لجهلهم بما يحصل.المدينة تغرق في بيروقراطية دكتاتورية لنرى الشخوص تنهار تحت وطأة ما يفرضه عليهم الطاعون، ومع ازدياد وطأة القمع تبدأ هذه الشخوص بالكشف عن وجهها الحقيقي بعد حالة الرعب التي تنتشر بينهم يدخل "الطاعون" مُشخصاً أمامنا معلنا سيطرته على المدينة ومطالباً بالسلطة، لتبدأ بعدها سلسة من الأحداث المفزعة إثر الهيمنة التي يمارسها عليهم مع مساعدته والتي تجعل حتى الحب مستحيلاً بين العشيقين دييغو وفيكتوريا، إلى جانب فشل محاولات الهرب من المدينة، فالطاعون نهاية يترك الخيار لدييغو إما أن يموت وتعود حبيبته للحياة ويرحل عن المدينة أو أن يبقى حياً وتموت حبيبته. تغرق المدينة في بيروقراطية دكتاتورية لنرى الشخوص تنهار تحت وطأة ما يفرضه عليهم الطاعون، ومع ازدياد وطأة القمع تبدأ هذه الشخوص بالكشف عن وجهها الحقيقي، فعمليات التطهير التي تتم للمصابين تجعل الخوف يسيطر على الجميع، فالوسم بالموت الذي يمارسه الطاعون يعني فناءهم وانصياعهم الكلّي له، إلى جانب الخوف من العدوى الذي يفتت العلاقات بين السكان، فالخوف هو العاطفة البشريّة الأشدّ تأثيرا في النفس إذ يزعزع إيمان الجميع، فالكل يتصرف على أساس الخوف ويحاول الفكاك منه، بالرغم من ذلك نراهم يحاولون التحايل في سبيل قبول الوضع الجديد وتقبّل الطاعون بل وينصاعون لأنظمته البيروقراطيّة ولمنهجيات السيطرة التي يقوم بها، حيث يغرقهم بالأوراق الرسمية مستحيلة التحقيق، مع ذلك نراهم في ضائقة يتجنبون المواجهة المباشرة بل ينصاعون بشكل مهين للنظام، لكن ذلك ينتهي بمجرد أن يبدأ دييغو الثورة ضد الطاعون والخيار الذي وضعه أمامه. تعكس المسرحية الكثير من الظواهر المنتشرة في عالمنا الآن والتي تتمثل بالدكتاتورية وأنظمة الهيمنة المرتبطة بها إلى جانب اكتساح الأنظمة الرأسمالية البيروقراطية التي تتسلل إلى كل تفاصيل حياتنا، فالطاعون حين يجتاح المدينة يدّعي أنه يريد إعادة النظام إلى الفوضى العارمة التي أمامه، فهو يؤسس لسلطة إدارية وقوائم وأوراق وإحصائيات تكمّم كلّ ما هو بشريّ وانفعاليّ. لكن يبق السؤال هل هذا الطاعون داء غريب عنا؟ أم هو نتيجة لأفعال الإنسان نفسه؟ فالنص كتب بعد الحرب العالمية الثانية والفزع الذي أصاب الجميع من قدرة الإنسان على القتل يتكرر الآن. فنحن أيضاً وإثر ما يمر به العالم نقف فزعين من قدرة الإنسان على التجاهل، كالقاضي في المسرحية نسعى للاختفاء في غرفنا وبيوتنا هرباً من الخارج، من الثورة المطلوبة في الخارج ضد كل طاعون يسمنا بالموت وينتهك إنسانيتنا. كاتب من سوريا