حل نتاج الشاعر السوري الراحل محمد الماغوط ضيفاً على منصة مؤسسة سلطان بن علي العويس الثقافية، شعراً ومسرحاً، ورؤى وقراءات نقدية استلهمت أعماله، على مدار يومين، تناوب على الحديث خلالهما شعراء ونقاد ومثقفون، في ندوة بعنوان «محمد الماغوط.. تغريد خارج السرب» وصفتها الجهة المنظمة بـ «النوعية»، وجاءت كذلك بالفعل. وحضر الندوة الدكتور محمد عبدالله المطوع الأمين العام لمؤسسة سلطان بن علي العويس الثقافية، وعبدالحميد أحمد، والدكتور سليمان الجاسم، وناصر حسين العبودي أعضاء مجلس أمناء المؤسسة، وجمهور نوعي من الكتاب والأدباء والمثقفين. نبوءة وصف الدكتور حسن مدن رؤى الراحل محمد الماغوط، بأنها بمثابة «نبوءة شاعر»، مضيفاً «الكثير مما حذر منه الماغوط، في وقت مبكر، أصبح هو ما آلت إليه الأمور في ما بعد، لأن الأمر كان يتعلق بنبوءة شاعر مبدع». وتابع «كان الماغوط يرى أن الهزيمة العربية المحورية، ليست هزيمة جيوش، بل هي هزيمة ذاتية للفرد»، مشيراً الى أن الشاعر الراحل كان يسخر من تجربته السياسية التي سلكها في مستهل حياته، وانتهت بـ«صفعة» و«سجن» شكَّلا محوراً أساسياً لاحقاً في تجربته الأدبية. أدار الجلسة الأولى الشاعر حبيب الصايغ، مستهلاً الجلسة بوقفة حداد على روح الشاعر الفلسطيني أحمد دحبور الذي رحل قبل أيام، ثم تحدث الناقد مدحت الجيار عن الوطن والثورة في شعر الماغوط، حيث أكد أن الحالة الشعرية للماغوط مميزة جداً في تاريخ كتابة (قصيدة النثر)، منذ نشر قصيدته الأولى بمجلة شعر اللبنانية، وقد وصل الماغوط إلى كتابة قصيدة النثر التي تخصه هو، وكتبها بطريقة مختلفة عن جيله وعن الأجيال التي جاءت بعده، ولعبت مكوناته السياسية والاجتماعية واللغوية والثقافية بوجه عام الدور الأكبر في صياغتها. وأضاف الجيار أن نصوص الماغوط تهتم بعالم خاص يتمحور حول الوطن والثورة. فهو منحاز إلى الوطن في أي مكان يحمي المواطن ويصون كرامته ويتمتع فيه الإنسان بالحرية. أما الباحث د. حسن مدن فقد تحدث عن الخطاب السياسي في النص المسرحي للماغوط «المهرج أنموذجاً»، وأكد أن ما يلح عليه الماغوط في «المهرج»، وفي أعماله المسرحية الأخرى هو سطوة القمع وانتهاك الحريات وسلب كرامة المواطن العربي. وحسب ورقة مدن، أن الهزيمة ليست هي تلك التي تتكبدها الجيوش في معارك القتال، فالهزيمة الحقيقية، الكبرى، إنما هي الهزيمة الداخلية، هزيمة الإنسان الفرد حين تنخر النفوس واحدة بعد الأخرى وتصيبها بالخراب وفساد المعنويات، فجوهر كل ما يجري هو الوصول بهذا المواطن البسيط إلى هذا المآل البائس ليفقد الأمل في أي شيء، وإن تحقق ذلك، لا سمح الله، فإن الظلام سيطبق علينا من كل الجهات. وفي الجلسة الثانية التي أدارتها القاصة باسمة يونس، تحدثت الدكتورة أمينة ذيبان في بحثها عن «الشعرية والنسق في أزمة القصيدة الحديثة، الشعر في ملتقى الحدث عند الماغوط»، مشيرة إلى أن قصيدة النثر عند الماغوط تخرج شاعرية الحدث قبل شاعرية القصيدة وهذا يعني أن البناء فوقي عند الماغوط فهو يفهم الشعر كما يفهم الحدث الموقف ابتداءً وانتهاءً، ومن هنا لا تجد أنها متطرفة في تفسير اللغة الخاصة عند محمد الماغوط وفق ترتيب أبجدي، فالقصد من الشاعرية عند الماغوط حدثي أو متداول قبل أن يكون معرفياً أي أن السياسة رسمت منطق الكاتب ومنطق القصيدة عند الماغوط. ثم تحدث الشاعر فوزي يمين عن «كاف التشبيه» و«واو العطف» في شعر الماغوط، حيث يستخدم الماغوط كاف التشبيه بشكل كثيف، إذ لا تكاد تخلو قصيدة من قصائده منها. وهو يستخدمها بطريقة مدهشة وفريدة من نوعها، أشبه بصعقة كهربائية، ويوظّفها توظيفاً كاملاً في خدمة مشاعره وأحاسيسه. أمّا واو العطف، فإنّ وظيفتها عند الماغوط تغيّرت عمّا هي عليه في العادة، فهي لم تعد تعطف بين شيئيْن مختلفيْن وتجمع بينهما في مَعرِض الكلام، أو بين عامّ وخاصّ في سياق جملة عابرة. وتوقّفت عن كونها أداة تجميع ورباط لحُزمة أسماء ومُسمَّيات، بل أصبحت أداة لوضع شيئيْن، عنصريْن، مفهوميْن، مُتباعِدين، جنباً إلى جنب، لتوطيد علاقة بين ما يبدو متنافراً، بين هادئ وصاخب، بين عاديّ مألوف عفويّ في حضوره وغرائبيّ نافر وغير متوقَّع في سياقه الطبيعيّ. أما في اليوم التالي فقد أدارت الجلسة الثالثة فتحية النمر، وتحدث الدكتور صديق محمد جوهر عن مقاربات نقدية في أشعار محمد الماغوط «صورة الأنا في ديوان (حزن في ضوء القمر)»، وأشار في دراسته إلى أن عظمة الماغوط تكمن كإنسان ومبدع في ارتباطه العضوي الحي بأسطورة الأرض وأسرار النماء. أمّا الشاعر حسين درويش فقد جاءت ورقته بعنوان «اقتناص المشهد الدارج في شعر محمد الماغوط»، منوهاً بداية بأن محمد الماغوط لم ينتمِ إلى مدرسة شعرية (كما كانت حال الأغلبية الساحقة من أفراد حركة مجلة شعر)، وهو ما جعل شعراء مجلة شعر ينظرون إليه من زاوية مختلفة، ولم يكن سهلاً ضمه إلى تيار أوكسفورد أو السوربون، حيث التيار الأنغلو ـ سكسوني من شعراء قصيدة النثر العرب مثل توفيق صايغ ويوسف الخال وإبراهيم شكرالله، يقابله تيّار فرانكوفوني يضمّ أدونيس وأنسي الحاج ويوسف الخال. وتطرق إلى آلية تخزين المشهد العادي والمألوف في الحياة اليومية ومن ثم بناء صورة درامية كما هي الحال مع جميع قصائده، وانتهى درويش إلى أن الماغوط لم تتم قراءته بصورة نقدية صحيحة لأن النقد يستخدم أدوات قديمة لقراءة نصوص جديدة وهو (برأيه) ليس في مصلحة الشعر الجديد. وقرأ ورقة عبده وازن نيابة عنه الكاتب عبدالإله عبدالقادر، التي كانت بعنوان (الوجه الآخر لمحمد الماغوط)، والتي رأى فيها وازن «لا أعتقد أن شاعراًًً استطاع أن يحافظ على أثره الجارح والعميق مثل محمد الماغوط. تقرأه مرة تلو أخرى فتشعر بأنك تقرأه للمرة الأولى. هذا شاعر قادر على التجدد دوماً وعلى صدم قارئه حتى وإن حفظ هذا القارئ شعره غيباً. بل هذا شاعر قادر دوماً على مواجهة أشراك الزمن التي يسقط فيها شعراء كثيرون تغزو الشيخوخة شعرهم باكراً. والمثير أن تجربة الماغوط الشعرية تجربة سهلة وغير معقدة، وأسراره الجميلة غير مغلقة ولغته بسيطة ولكن ممتنعة طبعاً، لأنها لغته هو، لغته الشخصية النابعة من مزاجه الحاد، ومن جسده وروحه، من إحساسه الدائم بخيبة الضحية في عالم بلا رحمة، وفي حياة بلا عزاء». وفي ختام الندوة قدمت الشاعرة الهنوف محمد قراءات من ديوان الماغوط «الفرح ليس مهنتي وقصائد أخرى»، الذي أصدرته مؤسسة العويس بهذه المناسبة، كما قام الدكتور محمد عبدالله المطوع الأمين العام لمؤسسة العويس الثقافية بتكريم المشاركين كافة في الندوة.