ترصد البلدان المتقدمة ميزانيات عظيمة لإجراء البحوث العلمية دون أن تتوقع بالضرورة عائداً ملموساً من هذه البحوث في المدى القصير، لكن العائد المتحقق منها في المدى الأبعد مؤكد، وهو الذي يحدد في النهاية موقع كل بلد على خارطة التنافس العالمي في شتى المجالات. وبفضل هذه البحوث والدراسات العلمية تصدرت الولايات المتحدة وبلدان أوروبا الغربية دولَ العالم في المجالات الاقتصادية والعسكرية والسياسية. فالبحوث والدراسات التي يتم إجراؤها في الجامعات ومراكز البحوث في تلك البلدان تتحوّل عبر تطبيقاتها المختلفة إلى منتجات هندسية وطبية وعسكرية ومنتجات أخرى لا حصر لها، ما يحقق لتلك البلدان مزايا تنافسية لا تملكها غيرُها من البلدان. أما البلدان النامية فهي لا تعطي البحث العلمي ما يستحقه من الاهتمام، ربما بسبب الاحتياجات المعيشية المُلحة التي يتعيّن عليها توفيرها لشعوبها، مما يجعل البحث العلمي يقع في آخر سلم الأولويات عند رصد ميزانيات الإنفاق الحكومي في تلك البلدان.. وقد ترتب على ذلك استمرار اعتمادية تلك البلدان النامية على البلدان المتقدمة. ومن الطبيعي أن تعكس البحوث التي يتم إجراؤها في البلدان المتقدمة طبيعة القضايا والمشكلات والتحديات التي تواجه تلك البلدان وليس البلدان النامية، ولهذا نجد - على سبيل المثال - أن الموارد الاقتصادية والمواد الأولية في بعض البلدان النامية قد تظل بعيدة عن اهتمام الباحثين، مما يحرم تلك البلدان من الاستفادة منها بشكل مناسب وتطوير استخداماتها في تعزيز مصادر دخلها. كذلك نجد أن بعض الأمراض المهدِّدة للحياة في بعض مجتمعات الدول النامية قد لا تجد الاهتمام الكافي من مراكز البحوث والجامعات العالمية. لحسن الحظ، هذا الوضع بدأ يتغير بالتدريج ولكن ليس على النحو الكافي.. وقد نشرت الصحف مؤخراً أن مستشفى الملك خالد التخصصي للعيون حقق المركز الأول في مجال أبحاث العيون على المستوى العربي في عدد الأبحاث التي تم نشرها، وذلك وفق إحصائيات مجلة علمية متخصصة هي مجلة «سبرنجر بلص» الواسعة الانتشار في الولايات المتحدة وأوروبا. هذه النتيجة التي حققها مستشفى الملك خالد للعيون في مجال الأبحاث مفرحة وتبشر بالخير وترفع توقعاتنا لما يمكن إنجازه في المستقبل - إن شاء الله -.. فأمراض العيون تستشري في مجتمعنا السعودي بسبب انتشار مرض السكر وغيره من الأمراض ذات الأثر السلبي على العيون، ولا بد من إجراء المزيد من البحوث لكي نفهم طبيعة أمراض العيون في بلادنا. نحن بحاجة إلى مستشفيات كثيرة على غرار مستشفى الملك خالد التخصصي للعيون في مختلف مناطق المملكة ليس فقط لكي تقدم العلاج للمرضى وهم في مناطقهم، وإنما أيضاً لكي تدرس طبيعة الأمراض المتزايدة التي تصيب العيون، وبحاجة إلى تعزيز المراكز المتخصصة بإجراء الدراسات والأبحاث عن أمراض العيون وغيرها من الأمراض، فكل ما ينفق من مال على هذه المراكز هو استثمار يحقق أكبر العوائد إن لم يكن في المدى القصير ففي المدى البعيد؛ لكنه قطعاً يتحقق في النهاية.. وهذا بطبيعة الحال ينطبق على جميع التخصصات الطبية وغير الطبية.