حتى يتحقق التعليم بشكله الطبيعي لابد أن تكون هناك قاعدة قوية صلبة من التربية لتنهض عليها أساسيات التعليم، وشاهد ما تقدم أن أغلب وزارات الدول وضعت كلمة التربية قبل التعليم، ومن هذا المنطلق أحاول أن أستجمع ما أستطيع لأكتبه في هذا المقال المتواضع الذي لا يفي التعليم حقه ورجال التعليم حقهم ومن قام عليه بصدق الضمير. احترام المعلم، وتقدير دوره لابد أن يكون نبراساً وعنواناً لهذه المهمة ولهذه الأمانة، وهذا من التربية، حرص طالب العلم على التعلّم والاستفادة الكاملة أيضاً من التربية، العمل على الاستفادة من جهود الآخرين الذين يحاولون إيصال المعلومة بالوسائل المتاحة أيضاً من التربية، الأخلاق الحميدة والتعامل اللائق مع المعلم وزملاء العلم من التربية، فلا نستطيع فصل التربية عن التعليم حتى يكتمل الهدف، ولو التفتنا للخلف إلى زمان.. التربية والتعليم لوجدنا الاختلاف واضحاً وضوح الشمس في رابعة النهار، نحن اليوم نعيش في وقت تردي التعليم بسبب تردي القائم على تربية الجيل، كثير من الآباء والقائمين على التربية تركوا مهمة تربية الأبناء والبنات لوسائل الاتصال ووسائل الإعلام التي ضررها أكبر من نفعها وعلاقتها بالنشء أكثر قرباً من أولياء الأمور، فصارت هي المعلم وهي الموجه وهي الشغل الشاغل للنشء، قديماً كانت التربية بيد رجال أقل إمكانات وأقل وعياً وثقافة من حاضرنا، ولكن كانوا رجالاً يتعاملون مع الحياة ومع تربية أبنائهم بكل حرص يعود بالفائدة لهم ولأبنائهم، فعندما حل بساحتهم التعليم خرج منهم رجال لا يقلون عنهم في الهمة، فكانوا فخر آبائهم وأهلهم ووطنهم، تربية سليمة ينتج عنها تعليم سليم، وإذا نظرنا للتعليم في وقتنا الحاضر فسنجد أنه يلتقي عند نقطة التربية في حاضرنا، وشتان بين أمسنا ويومنا هذا، كنا في زمن التعليم السليم عندما يدخل الأستاذ إلى الصف كأنه رئيس دولة جبار له مهابة يكاد التلميذ يرتجف وهو الذي حفظ وكتب الواجب واعتنى بملابسه وقص شعره وقلّم أظافره، يقف الجميع كأنهم وسط طابور عسكري لا أحد ينطق ببنت شفة وبصمت وسكوت رهيب، وينظر الأستاذ يميناً ويساراً ثم يأذن لهم بالجلوس (هذا في كل المراحل الدراسية)، ثم يسأل عن درس أمس والواجب والحفظ إن كان هنالك حفظ (وهذا ينطبق على جميع أساتذة المواد باختلافها) يا للعجب اليوم! وعندما تكون هناك عطلة أسبوعية وهي فقط الجمعة أو الأعياد أو عطلة أسبوعي الربيع، يقوم أستاذ المادة كل في مادته فيأمر بالواجب المنزلي، فمعلم اللغة العربية يأمر بنسخ المواضيع التي تمت دراستها نسخة أو نسختين على حسب أيام العطلة «لدرجة أنني أتذكر في عطلة الربيع وأنا في الثاني الابتدائي أنه كان لدينا 16 درساً وأمرنا الأستاذ بنسخ الدرس ثلاث نسخ، طبعاً النسخ كتابة باليد!!» ليس كما الحاضر (عند المكتبة الـ10 بريال)، وينطبق الوضع على كل المواد بما فيها الرياضيات يتم نسخ التمارين مع الحلول التي في الكتاب بنسخة أو نسختين حسب العطلة لترسخ في الذاكرة، كنا في زمن التعليم السليم في مادة اللغة العربية يسرد علينا الأستاذ قصة من اختياره ويقول إذا وصل كل منكم منزله يكتب القصة التي ذكرت حسب ما فهم منها -هذا في الصف الرابع- أما في الصف السابع فكنا نرسم الخرائط الخليجية والعربية وبعض الأوروبية ونبيّن عليها العواصم والمدن الصناعية والموانئ البحرية وأهم إنتاجها وصناعاتها (للفكاهة، طالب ثانوي سألته ما هي الدولة العربية التي تنتج القطن ومن قطنها -طويل التيلة-، قال اليمن؟)، طالب خريج ثانوي سألته (من هو وزير الدفاع في بلدنا؟ قال لا أدري! قلت من وزير الخارجية؟ قال لا أدري!)، بعضهم سيقول هذا ليس في دائرة اهتماماته! ربما ـ ولكنه تعليم رديء تم بنيانه على أرض تربية رديئة، والأرض تمت تغذيتها بالأجهزة وآلات اللهو حتى وصلت الحال بنا إلى أن الطالب تتكلم معه وهو في (جو) آخر ليس لديك إلا جسده، عند بوابة إحدى المدارس -الأستاذ يطلب من الطالب سيجارة- في الصف الأول الثانوى طالب يراسل أستاذه بالـ(واتسآب) ويبادله مقاطع الفيديوهات -الله أعلم ما بها-، الاختبارات في كل المراحل يتم تسليم الطالب ورقة ويُقال له ذاكرها الاختبار منها، الواجب المنزلي معدوم، المتابعة بين المدرسة وولي الأمر شبه معدومة، الولد لا يهتم وليس لديه مهم، والأب مشغول بالدوام والاستراحة والنوم، وفي النهاية نتيجة الاختبارات النهائية 90% وربما أعلى، وهو لا يفهم شيئاً مما درسه، والقدرات التي هي الصحيح 52% أو أقل، والأجوبة أغلبها تشيير لعدم معرفته بها، الدروس الخصوصية التي تستند على تسريب الاختبار وليس للتعليم 1500 ريال والنجاح مضمون، أحد مديري المدارس قلت له (فلان) كيف نجح؟ قال: نبي نفتك من شره! وإذا تكلم أولياء الأمور قالوا عيالنا ما تقبلهم الوظائف (هو عنده شي من شان تقبله الوظيفة)، سيارة منزّلة وشعر طويل ولفة (درباوي) وتفتيل عضلات (من صناعة كنتاكي وماكدونالز وكودو)، زمان.. زمان.. زمان.. يا التربية والتعليم!!