×
محافظة المنطقة الشرقية

الدوسري.. «محامي» الداخلية ورجل المهمات الصعبة

صورة الخبر

في البدء كان المبدع ثم أتى الناقد. في البدء كان الإبداع ثم أتى النقد؛ هذه تراتبية زمنية وفنية ثابتة وإن كانت تحيلنا إلى سؤال يتعلق بمدى حاجة المبدع للنقاد، أو بمدى حاجة الإبداع للنقد على اعتبار أن إجابة السؤال العكسي مفروغ منها، أي إن النقد والناقد دائماً بحاجة إلى إبداع ومبدع، فلولا القصيدة والقصة والرواية لما كان للناقد أن يجد ما يكتب عنه لا نظرياً ولا تطبيقياً. إذن.. هل يحتاج المبدع إلى رأي الناقد حقاً؟ كلما سئلت عن مستوى الحركة النقدية الراهنة ومدى مواكبتها لحركة الإبداع خطر على بالي هذا السؤال الموازي. ودائماً أكتشف، بصفتي منتجة لنصوص شعرية على الأقل ، أن المبدع لا يحتاج للنقد بصفته مبدعاً، أي بصفته شاعراً أو روائياً على سبيل المثل، وإن كان يظل بحاجة هذا النقد بصفته العامة كمتلقي للنص أي كقارئ حتى لو كان هو نفسه صاحب هذا النص. النقد، على أهميته الكبرى، لا يكاد يضيف شيئاً لأي تجربة إبداعية أو حتى لأي مبدع! والمبدع الذي ينتظر ماذا سيكتب عنه الناقد ليس مبدعاً حقيقياً من وجهة نظري. وهذا على أية حال لا يقلل من مدى الحاجة للنقد ولا من شأن النقد عموماً. لكنه يعني ببساطة شديدة أن النقد لا يوجه للمبدع بصفته مبدعاً أبداً. كيف هذا؟ عندما ينخرط الشاعر في لحظات الدفق الشعري الأول سيكون همه الأساسي هو كسر المألوف في كتابته الذاتية بعد كسر كل المألوفات الأخرى في الكتابة، وهذا يعني أنه سيكون مهتماً فقط في التعبير عن لحظة الدهشة التي يمكن القبض عليها بواسطة الكلمات. هل سيعنيه حقاً ماذا قرأ من مقولات ونظريات نقدية قبل ذلك سواء في ما يتعلق بكتاباته السابقة أم في أي كتابات أخرى؟ لا أظنه، وهذا بالضبط ما يعنيه القول إن الإبداع يأتي أولًا دائماً، ثم يلحق به النقد. وهذه التراتبية في العلاقة ما بين الإبداع والنقد أو ما بين المبدع والناقد لا ينبغي أن تختل أبداً ولا تتغير. وفي اللحظة التي يحاول المبدع أن يجترح قصيدته أو روايته اتكاء على النظرية النقدية مهما كانت عظيمة ومهما كان إعجابه بها، فإنه يتنازل عن مكانته الأولى في تلك العلاقة وبالتالي يتنازل عن كونه مبدعاً، ذلك أن الإبداع شرطه الأول، أي يأتي غفلًا من الشروط، ويا للمفارقة، وألا يعتمد في انصبابه الأولي في ذهن منتجه إلا على الموهبة وحدها! أما بعد الانتهاء من كتابة النص، فلا أظن أن هذا المبدع سيكون معنياً بمراجعة نصه بناء على اقتراحات النقد اللاحقة وإلا سيكون بصدد إنتاج نص جديد مهما كانت التعديلات طفيفة! هل هذا يعني أن يمتنع المبدع عن قراءة النقد الذي تناول إنتاجه؟ لا طبعاً، بل إن عليه الحرص على قراءة هذا النقد والتعامل معه بجدية تليق به، ذلك أن الجزء الأكبر في تكوين هوية المبدع هي الجزئية القارئة، وهذه الجزئية تحديداً تحتاج لأن تتغذى على النقد باعتباره أحد أهم مصادر ومظان القراءة بالنسبة لها. أي أن المبدع يحتاج أن يقرأ النقد ويهتم به لا بصفته مبدعاً، بل بصفته متلقياً وقارئاً، وهذا أبداً لا يضير الناقد الذي عليه أن يعرف تماماً أنه إنما يتوجه بخطابه النقدي إلى القارئ بصفته العامة.. سواء أكان هذا القارئ قارئاً وحسب أم قارئاً مبدعاً أيضاً.