×
محافظة المنطقة الشرقية

أبـهـا أنشودة المطر

صورة الخبر

محمد هاني عطوي في سبتمبر/أيلول الماضي، أطلق الممثل والمخرج والمنتج الأمريكي الشهير وارن بيتي (79 عاماً) فيلمه «قواعد لا تنطبق»، أو «استثناء للقاعدة»، الذي كان بمثابة الشطط والحنين إلى العصر الذهبي في هوليوود. ولكن بعد انتظار مقصود ومبيت في الولايات المتحدة، اختفى الفيلم عن الساحة الإعلامية. هذا اللقاء الحصري لمجلة «بروميير» الفرنسية مع النجم المطلق لفترة السبعينات، يلقي الضوء على ما حصل، خاصة أن وارن بيتي يطلق أول فيلم روائي طويل له بعد خمسة عشر عاماً، وذلك بسبب تقاعده بعد الكارثة المالية لفيلمه «تاون آند كانتري»، أو «قيل وقال»، وفقدان جزئي للذاكرة عام 2001، وهو الفيلم الذي كان يحلم به دائماً منذ بداية السبعينات، والذي كتبه وأنتجه وأخرجه ولعب فيه دور هوارد هيوز، العبقري المجنون الذي كان يشبه دي كابريو في فيلم «الطيار». } منذ 15 عاماً يتساءل الجميع أين ذهبت، وها أنت تعود مع فيلم عن هوارد هيوز، بفيلم «الطيار» لماذا؟ - أعجبت دائماً بأنه غريب الأطوار وبعبقريته الفذة في الطيران. ولكن هذا لا علاقة له بي شخصياً، وأنتم تعلمون أن حياتي تغيرت في بداية التسعينات عندما أتيحت لي فرصة لقاء زوجتي الممثلة أنيت بينينغ، التي رزقت منها بأربعة أطفال، ولم أعرف كيف مرّ الوقت معها. } عملت بوتيرة شحيحة جداً أليس كذلك؟ - كنت محظوظاً بالبدء مع إيليا كازان فيلم «روعة في العشب» عام 1961، الذي حقق نجاحاً كبيراً وأعطاني حرية لم يتمتع بها العديد من الممثلين. وبما أنني كنت في مرحلة الشباب، قررت عدم قضاء حياتي بين مكان تصوير وآخر، لذا كنت أشتغل على فيلم عندما أشعر بأن ذلك ضروري. وبالنسبة لي، الأمر مثل التقيؤ، وآسف لهذا التعبير، فهل أنا أرغب بالتقيؤ؟ لا بالطبع، ولكن إذا كان هذا هو السبيل الوحيد لأشعر أنني أفضل، فسأفعل ذلك. } هل تشعر بذلك عندما تكتب أم عندما تعرض فيلمك؟ - دائماً، وعندما تضطر إلى مواجهة الحقيقة هنا تكمن العقدة. فكاثرين هيبورن، صورت فيلمها الأخير معي «موعد مع القدر» لجلين جوردون كارون، 1994، وكنت مجنوناً بها، وقتها قالت لي: «إذا مر التصوير على ما يرام، يمكنك أن تكون على يقين بأن الفيلم سيكون سيئاً جداً»، وكانت على حق. السينما صعبة جداً، عندما يأخذها المرء على محمل الجد. } كنت تفكر بفيلم عن هيوز منذ بداية السبعينات، فما الذي يسحرك به؟ - لا أعرف. قضيت حياتي في جمع الحكايات عنه لأنه كان دائماً يسحرني ويضحكني. وأعتقد أن ذلك يرجع إلى الحرية الكبيرة التي كانت متاحة له، خاصة أنه كان براقاً يريد جذب وسائل الإعلام. وكان يحب الطائرات والأفلام والنساء. إنه ينتمي أيضاً إلى ذلك الزمن الذي أعرفه جيداً ولكنه اختفى، حين كان مفهوم الحياة الخاصة لا يزال له معنى. } هل أتيحت لك الفرصة للقائه؟ - لا أبداً. أعتقد أنني تحدثت إلى جميع الذين عرفوه أمثال بوب ماهو، وكيرك كيركوريان، وجان بيترز، وجان سيمونز، وجين راسل، وتيري مور. على أية حال أنا غير قادر على كتابة فيلم عن شخص أعرفه شخصياً، لأن الأمر يتعلق بالسينما والخيال. في فيلم «استثناء للقاعدة»، استخدم قصصاً رُويت لي وأتجاهل تماماً إن كانت هراء أو حقيقية، فأنا أمزج بين الأزمان ولا أدعي أن هذا هو الصحيح. أحب عبارة قالها نابليون: «التاريخ سلسلة من الأكاذيب التي نتفق عليها»، وعبارة لتشرشل: «التاريخ سيثبت أنني على حق، لأنني أنا الذي أكتبه». } أليست العبارة التي استخدمها بيتر بيسكيند، عند تسليط الضوء على كتاب عنك؟ - أعتقد أن هناك 16 كتاباً كتبت عني، وحاولت قراءتها، لكنني لم أتمكن من تجاوز الصفحة العاشرة من كل كتاب، فكل شيء فيها مختلق وتقريبي. لذا الأفضل هو عمل كثير من الأفلام والافتراض أن هذا من الخيال. جسدت شخصيات كانت موجودة حقاً، فمثلاً لعبت شخصية باجسي سييجيل، ولا تربطني به علاقة، وكذلك الحال مع كلايد بارو. من ناحية أخرى عندما كنا نعمل على إعداد بوني وكلايد، كنت أريد أن أعهد بالأدوار الرئيسية لأختي (شيرلي ماكلين) ولبوب ديلان. } هل حقاً عرضت عليه دور كلايد بارو؟ - على بوب؟ لا. لم نكن نعرف بعضنا بعضاً إلى هذا الحد. ولكن كنت أستمتع فقط بهذه الفكرة لأنني كنت دائماً أفضل الشيء الأصلي، فثملاً عرضت الدور القيادي في فيلم «السماء يمكن أن تنتظر» على محمد علي كلاي، لكنه رفض التوقّف عن الملاكمة. كنت أحبه ولم تتح الفرصة لتعاون بيننا. وأخيراً، سادت نرجسيتي، وعدت إلى الممثل الذي أحبه أكثر، وهو «أنا» !. } من الصعب ألاَّ نجد أوجه تشابه بينك وبين هيوز، كحب السلطة والنساء والسرية. وفي نهاية الفيلم، نجد أن هيوز، يضعف، وكأنه وداع مع هوليوود القديمة. إنها قصتك تقريباً أليس كذلك؟ - أنا تقريباً أموت في نهاية أفلامي. على أية حال يلزمني دائماً 15 عاماً على الأقل لفهم الفيلم الذي صنعته. } قررت أن تصبح منتجاً في وقت مبكر من حياتك المهنية، في الوقت الذي لم يتعوّد فيه الممثلون الشباب على ذلك، فمن أين لك هذا الطموح؟ - عندما وصلت إلى هوليوود، التقيت بالكثير من الناس، وكوّنت العديد من الصداقات، وأولئك الذين كانوا يجذبونني أكثر كانوا من المنتجين أمثال سام غولدوين، وديفيد سلزنيك، وداريل زانوك، وجورج ستيفنز، ويلي وايلر، وفريدي زينيمان، وديفيد لين.. كانوا يخرجون الفيلم من تحت الأرض، وكانت لديهم الكلمة الأخيرة. وأنا أردت أن أكون جزءاً من الفرقة. وإذا سألتك من صنع «ذهب مع الريح»، ستجيبني فيكتور فليمينغ. نعم، إلا أن الفضل لا يرجع بالضرورة إلى الذي جلب المشروع، ففيلم «ذهب مع الريح» هو أولاً فيلم دايفيد سلزنيك. } ونتيجة لهذه الرغبة في السيطرة لم تتمكن من مقابلة كتاب «هوليوود الجديدة» في السبعينات مثل روبرت ألتمان، وجون مكابي؟ - اسمحوا لي أن أقول إن بوب ألتمان، كان موهوباً للغاية بأشياء أخرى، أما جون مكابي، فكان مجنوناً بعض الشيء. كان يبني الديكورات مع بدء التصوير، ولذلك اضطررت للتدخل كثيراً، لإعادة كتابة الحوارات التي تمتلئ بتعبيرات جنوب ولاية فرجينيا، التي تعود إليها عائلة والدي.. بعد تجربتين من هذا القبيل، اضطررت للاعتراف بأنه إذا أردت حقاً عمل أي فيلم، من الأفضل أن أفعل كل شيء بنفسي من إنتاج، وكتابة، وإخراج. } وهل كانت تلك وسيلة مرضية؟ - لا. ليس بالضرورة. فأنا لم أخرج «بوني وكلايد» و«شامبو» وهي أفلام جيدة جداً. الفيلم هو عبارة عن جهد جماعي. بالنسبة لفيلم «استثناء للقاعدة»، حدث أن وجهّني ممثلون شبان وأنا أحب ذلك طالما كانت لديّ الكلمة الأخيرة.} ألست نادماً على أنك لم تعد تمثل؟ - الشيء الرئيسي هو أطفالي الأربعة وزوجتي أنيت. ويبدو أنني سحرت بهذا الشيء البسيط الذي يسمى «الحياة العائلية». } ولكنك لم تكن أباً في السبعينات والثمانينات؟ - لا. كنت منهمكاً في السياسة، وكان الأمر مهماً جداً بالنسبة لي، بل أكثر من الأفلام. دعمت ترشيح بوبي كينيدي، وجورج ماكغفرن، وغاري هارت، كما تفرغت لمدة عام في السبعينات للزج بنفسي في أعمال الحزب الديمقراطي. وحاول البعض إقناعي بترشيح نفسي للانتخابات. } لماذا لم ترغب في الذهاب حتى النهاية، كان من الممكن أن تصبح رئيساً؟ - هناك الكثير من المعاناة. لقد رأيت عن كثب الدمار الذي يمكن أن يسبّبه لك هذا الأمر. بالنسبة لي، الأمر كما لو أنك كنت مرشحاً للعذاب.} كنت تتحدّث عن السير الذاتية الممزوجة بالخيال التي يكتبونها عنك. وأنا أودّ أن أدفع غالياً لقراءة مذكراتك الخاصة. - كثر قالوا لي ذلك. أعتقد أنني في حالة تسمى عند سيغموند فرويد «الإنكار». } لذلك؛ لا تشعر بأي ندم على مدى السنوات الماضية التي لم تصور فيها أي فيلم؟ - قدّمت عدداً من الأفلام أقل من المتوسطة. هذا صحيح. ولكن يمكنني الآن أن أتباهى بأنني استمرّيت في العمل لفترة أطول من أي شخص آخر. عام 1958، عندما وصلت إلى هوليوود، كنت دائماً الأصغر سناً في الغرفة. واليوم حان الوقت كي أكون الأكبر سناً، أعني في الليالي التي ينام فيها كلينت إستوود، في وقت مبكر. نجاحات وفشل ذريع يؤكد وارن أن فيلم «استثناء للقاعدة» ليس سيرة ذاتية، وأنه لا يريد أن يخيب آمال المشاهدين. الواقع أنه من غير المرجح أن يخيب ظنهم، فالفيلم الذي فشل في الولايات المتحدة، لم يتحدد تاريخ عرضه في فرنسا بعد، لكن ما نعلمه أنه فيلم مضحك، يروي قصة شابين، سائق وممثلة (ألدين إهرنريتش وليلي كولينز) يلتقيان في طريق هيوز في عام 1958 وهي السنة التي حط فيها بيتي رحاله في هوليوود، والعام الذي أحدث فيه ضجة بفيلم «بوني وكلايد»، والذي يتأمله اليوم مع مزيد من الحزن. ويرى بيتي أن النجاحات في مهنته كانت رائعة بلا شك لا سيما مع فيلمه الشهير «شامبو» وجائزة الأوسكار التي نالها كأفضل مخرج عن فيلم «الحمر»، لكن القيعان كانت سحيقة جداً خاصة مع الفشل الذريع لفيلمه «عشتار» الذي أعلن عن انفصاله التدريجي عن الجماهير المعاصرة، ولم يتحدث بيتي للصحافة منذ بداية هذا القرن.