×
محافظة المنطقة الشرقية

ثلاثي العميد ينضم لبرنامج رياضيي النخبة

صورة الخبر

هواجس الأقباط ومسؤولية الخطاب الدينيالعقل الذي دبر تفجير كنيستي طنطا والإسكندرية هل كان منفصلا عن واقعه المصري، والعربي الإسلامي عموما، أم كان عقلا يتأثر أيضا بما ساد ويسود المجتمع المصري كما غيره، من خطب ومحاضرات وفتاوى تعتبر المواطن المصري المسيحي كافرا وصليبيا ونصرانيا ودخيلا على المجتمع المسلم؟ سؤال يضفي مشروعية على مخاوف المصريين المسيحيين من إمكانية تكرر العملية الإرهابية في ظل تواصل أسبابها الاجتماعية والدينية.العرب  [نُشر في 2017/04/13، العدد: 10601، ص(13)]القاتل شحنته خطبة متشنجة القاهرة - لسنوات كان القبطي ميشيل فهمي يسمع بغضب خطيب المسجد المجاور لمنزله يدعو على المسيحيين بالسوء، وهو الآن يعتقد أن هذا “التحريض” سبب رئيسي في وجود انتحاريين مستعدين لمهاجمة الكنائس. وتبنى تنظيم الدولة الإسلامية هجومي الكنيستين في مدينتي طنطا والإسكندرية اللذين أوقعا الأحد الماضي 45 قتيلا في أسوأ اعتداءات منذ سنوات، كاشفا أن انتحاريين إثنين نفذاهما فيما كان الأقباط يحتفلون بأحد السعف (الشعانين). وقبل أربعة أشهر فجر انتحاري نفسه في كنيسة القديسين بطرس وبولس في القاهرة ما أسفر عن سقوط 29 قتيلا. ويقول ميشيل فهمي الذي يدير مكتبة تبيع مقتنيات وتحفا مسيحية في حي شبرا ذي الغالبية المسيحية، إن خطب الجمعة “في المسجد تدعو بالسوء على المسيحيين وتحرض على العنف، الشباب يشحن بالكراهية ضدنا وينفذ ما يسمعه”. ويضيف بأسى “بالطبع الإساءة إلى المسيحيين في المساجد تضايقنا جميعا، وينتج عنها إرهاب ضدنا”. وتتراصف صلبان خشبية كبيرة في واجهة المتجر الزجاجية الضيقة جوار تماثيل متوسطة الحجم للمسيح والعذراء مريم. ويتابع فهمي إن “المجتمع نفسه لا يعلم الصغار أننا، المسلمين والأقباط، أخوة وأحباء وأبناء وطن واحد. التنشئة لها دور كبير”، فيما كان الحزن والوجوم يسيطران على وجوه المارة الأقباط الذين يتسوقون في صمت استعدادا لعيد القيامة الأسبوع المقبل. وشكا عدد من الأقباط من أنهم يسمعون أدعية ضد المسيحيين عبر مكبرات الصوت في خطب الجمعة وفي القنوات الإسلامية الفضائية الخاصة التي تزايد عددها بعد الإطاحة بالرئيس المصري الأسبق حسني مبارك في فبراير من العام 2011. ولكن السلطات المصرية أغلقت هذه القنوات وأوقفت بثها فور الإطاحة بالرئيس الإسلامي محمد مرسي في يوليو 2013.الشحن الديني المتواصل أفضى إلى حالة من التوتر والقلق لدى الأقباط من حدوث هجمات أخرى ضد كنائسهم وتحاول وزارة الأوقاف ضبط خطب الجمعة وتحدد سلفا المواضيع التي يتناولها الأئمة في هذه الخطب إلا أنها لا تستطيع السيطرة على كل المساجد وخصوصا ما يسمى في مصر بـ”الزوايا” وهي مساجد صغيرة تنشأ بجهود ذاتية في المناطق الشعبية خصوصا. وفي متجر ملابس مجاور، لا تزال البائعة القبطية ليليان أنيس تتذكر بحزن تعرضها للمضايقة في المدرسة. وتقول “في المدرسة كان البعض يرفض الحديث معي لأنني مسيحية. أتذكر ذلك جيدا وبالطبع كان ذلك يضايقني”. وتعتبر ليليان أن المشكلة تبدأ في المدرسة “عندما يتم التفريق بين الأطفال في المدارس. هذا مسلم وذاك مسيحي”. يذكر أن الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي دعا أكثر من مرة إلى “تجديد الخطاب الديني” معتبرا أنه ينبغي مراجعته وتنقيته من الأفكار المتطرفة التي تدعو إلى العنف والتي تشكل مرجعية للفكر الجهادي. ولكن معارضي السيسي يؤكدون أن هذه الدعوة ظلت حبرا على ورق، ويدللون على ذلك بالعديد من الأحكام التي صدرت خلال العامين الأخيرين بتهمة ازدراء الدين الإسلامي. وكان من أبرز من حوكموا بهذه التهمة أخيرا الباحث في الشؤون الإسلامية إسلام البحيري الذي قضت محكمة مصرية في نهاية ديسمبر 2015 بحبسه سنة بعد سلسلة حلقات تلفزيونية قدم فيها تفسيرا للإسلام أغضب الأزهر الذي اعتبره إساءة لتراث السلف. وخرج البحيري من السجن نهاية العام الفائت بعفو رئاسي شمل كذلك 81 من الناشطين السياسيين الشباب. بدأ الخطاب الديني التحريضي ضد المسيحيين في مصر في سبعينات القرن الماضي حين سمح الرئيس الراحل أنور السادات للإسلاميين بممارسة النشاط السياسي مجددا لضرب معارضيه اليساريين في ذلك الحين. وفي تسعينات القرن الماضي، تعرض الأقباط المصريون خصوصا في الصعيد (جنوب) لاعتداءات من قبل جماعات إسلامية مسلحة، كانت تستهدف كذلك رجال الشرطة في ذلك الحين. ويعتقد طالب الحقوق إبرام أنيس أن الإسلاميين الذين يمارسون العنف ضد الأقباط تعرضوا “لغسيل أدمغة نتيجة ما يسمعونه من تحريض ضد المسيحيين في الخطاب الديني الإسلامي في كل مكان”. ويتابع “أعرف أن الإسلام دين سلام وبريء من العنف لكن هذا ما يحدث في نهاية المطاف”، فيما كانت ترانيم كنسية تصدح من محل مجاور. وتشكو قبطيات مثل ليليان من تعرضهن لمضايقات وتحرشات، مثل الألوف من المصريات، لكنها مضايقات ذات طابع طائفي. وهي تقول “أسير خائفة في الشارع. أخشى أن يضايقني أحد بأي كلمة أو فعل. لم يعد هناك أمان”. وبالنسبة للعديد من المسيحيين فإن الحديث عن الوحدة الوطنية مجرد كلام لا يطبق.الإسلاميون الذين يمارسون العنف ضد الأقباط تعرضوا لغسيل أدمغة نتيجة ما سمعوه من تحريض ضد المسيحيين وفي طنطا، كان البعض يهتف عقب تفجير الكنيسة “مسلم ومسيحي إيد واحدة”. وعلق مواطن قبطي رفض الإفصاح عن اسمه “هذا شعار أجوف ولا معنى له لأن الدولة سلبية”. وتابع “هناك هجوم علينا في الفضائيات وهناك من يدعو إلى عدم تهنئتنا في الأعياد باعتبار أن ذلك محرم في الإسلام، فماذا فعلت الدولة لوقف ذلك؟”. وكان هذا المواطن القبطي يشير إلى مواقف بعض قيادات التيار السلفي الذين يرفضون قيام المسلمين بتهنئة الأقباط في أعيادهم. وفيما كانت تمسك بيد ابنتها ماريا البالغة خمس سنوات، قالت الأم هالة بشرى باقتضاب “أنا خائفة على ابنتي. الوضع مقلق”. ويقول أنيس، الشاب الذي يضع صليبا كبيرا حول رقبته، “نحلم بأن نعيش في مصر في أمان لا أكثر ولا أقل”. وأضاف “لا نريد سوى أن نسير في الشوارع في أمان دون خوف من أن يتعرض لنا أو يضايقنا أحد”. الأجواء المجتمعية السائدة والشحن الديني المتواصل، فضلا عن استتباعات تفجيري الكنيستين، أفضت إلى حالة من التوتر والقلق لدى الأقباط من حدوث هجمات أخرى ضد كنائسهم. وفي هذا الصدد قررت الكنيسة المصرية إلغاء احتفالات عيد القيامة، الأحد المقبل؛ تضامنا مع ضحايا تفجيري كنيستي طنطا والإسكندرية. حيث قال الأنبا رافائيل الأسقف العام لكنائس وسط القاهرة، سكرتير المجمع المقدس (أعلى هيئة بالكنيسة) إنه “نظرا للظروف الحاضرة ومشاركة مع المتألمين من أسر الضحايا والمصابين ومع حلول عيد القيامة المجيد سوف نكتفي بصلوات القداس ليلة العيد”. وأضاف أن “الاحتفال الطقسي (القداس) في الكنائس والإيبارشيات (مناطق رعوية كنسية)، سوف يخصص يوم العيد لتلقي التعازي من أبناء الشعب المصري”. وجرت العادة في “عيد القيامة” أن يستقبل بابا أقباط مصر والأساقفة بالمقر الباباوي، شرقي القاهرة، المهنئين من رجال الدولة والأزهر والشخصيات العامة، فضلا عن إقامة كافة الكنائس احتفالات داخلها بالعيد.