النسخة: الورقية - دولي كان العارفون بدهاليز السياسة في لبنان يقولون مع نهاية ولاية كل رئيس، إن المقبل لن يكون بالتأكيد بين الأسماء المتداولة أو المرشحين المعلنين أو من الشخصيات الأكثر شعبية. وكان يُقال أيضاً إن كثيراً ما نام مرشح ما رئيساً ويستفيق في يوم الاقتراع على انتخاب آخر. كان ذلك قبل الحرب الأهلية وقبل أن تنهار وظائف المؤسسات الدستورية، ومنها مجلس النواب لحساب الميليشيات، وقبل أن يصبح التداخل المحلي- الخارجي أكثر تعقيداً، وقبل أن تفسر قوى الأمر الواقع الدستور والأعراف لمصلحتها السياسية. واليوم، قد يستحيل التكهن باسم الرئيس المقبل، هذا في حال أمكن إطلاق عملية الانتخاب التي تبدأ في الجلسة النيابية المقررة الأربعاء المقبل. كما قد يستحيل التكهن بمصير العملية برمتها، أو الجزم بإمكان انتخاب رئيس جديد في المهلة الدستورية، أي قبل 25 الشهر المقبل تاريخ نهاية ولاية الرئيس الحالي... وليس مستبعداً أن تتحول عملية انتخاب رئيس جديد أزمة كبيرة، كما حصل في مناسبات سابقة، خصوصاً تلك التي دفعت البلد إلى الحرب الأهلية قبل أن يقع الاختيار على الرئيس الحالي، وفق تسوية سياسية بين المتنازعين، قبل ستة أعوام. معروف أن رئاسة الجمهورية هي من نصيب الموارنة في التوزيع الطائفي للمناصب الدستورية الأساسية. ومعروف أيضاً أنه يمكن النواب أن يقترعوا لأي شخصية مارونية من دون أن تكون مرشحة رسمياً. ما يعني إحدى الشخصيات العامة المارونية، سواء تلك التي أعلنت رغبتها في المنصب أو لم تعلن. وهذه المفارقة التي تتكرر لمناسبة كل انتخاب لا تستوقف أحداً من المهتمين بصفتها ثغرة دستورية ينبغي سدها، من اجل اعتبار الترشح لرئاسة الجمهورية وانتخاب الرئيس قضية جدية ينبغي التعامل معها بمسؤولية وشفافية. وليست مناسبة للإبداع في المناورات وإظهار القدرة على تدوير الزوايا، والبراعة في التلون ونقل البندقية من كتف إلى آخر... وتالياً المساهمة في فقدان هيبة المنصب والمؤسسة الدستورية التي يمثلها لحساب مؤسسات أخرى أو قوى أمر واقع، وبما يدخل الخلل في معادلة التوازنات، وصيغة العيش المشترك. جرى التعبير عن أزمة انتخاب الرئيس، مع نهاية الولاية الممدة للرئيس السابق اميل لحود، بمسألة النصاب النيابي لانتخاب خليفته، إذ اعتبر، حينذاك، الثنائي الشيعي أن ميزان القوى النيابي يميل لغير مصلحته، فقاطع نوابه المجلس على نحو لم يتأمن النصاب الدستوري لانتخاب الرئيس. وقد يلجأ نواب أي طائفة أخرى إلى التكتيك نفسه عندما يعتبرون أن الأمور لن تكون في مصلحتهم. وعلى رغم تكرار هذه الأزمة، لم يجر العمل من أجل إصدار تفسير دستوري من هيئة صاحبة اختصاص ملزم لجميع النواب بحضور الجلسات البرلمانية المخصصة لقضايا انتخابية أو التصويت على الثقة بالحكومة. وهذه الثغرة أيضاً تجعل انتخاب الرئيس رهناً للأهواء السياسية والطائفية وتقدير المصلحة الذاتية وليس عملاً دستورياً من صميم واجبات النائب. إن عدم الوضوح الدستوري في مسألتي الترشيح لرئاسة الجمهورية، والنصاب النيابي لجهة انعقاد الجلسة أو الاقتراع، هو الذي يجعل من انتخابات الرئاسة مناسبة لأزمة سياسية، ما دام كل طرف يحاول أن يجر التفسيرات إلى مصلحته السياسية، وأن أي طرف غير راض عن سير العملية يلجأ إلى التعطيل. ومن جهة أخرى، يبقي عدم الوضوح هذا الطامحين للمنصب تحت وطأة ضغوط تلبية مصالح سياسية فئوية من اجل استقطاب التأييد. وهذا ما قد يدفع مؤسسة الرئاسة إلى التخلي عن حيادها وبقائها على مسافة واحدة من جميع القوى، وإلى أن تكون طرفاً في صراعات داخلية، وهذا ما يضعفها كحامية للدستور وللمصالح العليا للدولة، كما يدخل مزيداً من الضعف إلى صيغة العيش المشترك وتقاسم المسؤوليات الدستورية.