×
محافظة الرياض

خادم الحرمين الشريفين يرعى الحفل الختامي لمهرجان الملك عبد العزيز للإبل

صورة الخبر

مازلت أتساءل مستغرباً عن الأسباب التي صرفتنا فجأة عن الدعوة لتجديد الخطاب الديني في هذه الأيام التي اشتدت فيها حاجتنا لتجديده وصارت أكثر إلحاحاً. تجديد الخطاب الديني لم يعد مجرد هدف يمكننا أن نؤجل النظر فيه أو نتركه للمستقبل، ولم يعد مجرد عمل من أعمال الفكر نضيفه لما سبقه من أعمال، وإنما أصبح قضية أمن قومي أو بعبارة أخرى لا أتزيد فيها ولا أبالغ، أصبح تجديد الخطاب الديني بالنسبة لنا الآن قضية حياة أو موت تهمنا جميعاً وتدعونا لحلها قبل فوات الأوان. ولست في حاجة لأذكركم بالضربات المتتالية الموجعة التي وجهها لنا الإرهابيون والمتطرفون في سيناء، وفي القاهرة، وفي الإسكندرية، وفي المنيا، وفي الأقصر، وفي طنطا. لا أحتاج لأذكركم بالضحايا الذين يسقطون كل يوم من رجال الشرطة والجيش ومن المواطنين العاديين. لا أحتاج لأذكركم بما يتعرض له المسيحيون المصريون وتتعرض له وحدتنا الوطنية ويتعرض له المثقفون المصريون الذين يتجرأون على نقد الخطاب القديم الذي مازالت مؤسساتنا الدينية تتبناه وتتعصب له. لا أحتاج لأذكركم بما حدث وبما يحدث في سوريا، والعراق، واليمن، وفي ليبيا، وتونس، وفي فرنسا، وألمانيا، وبلجيكا، وبريطانيا، وروسيا. لست في حاجة لأذكركم بهذا لأن الإرهابيين والمتطرفين وهم جنس واحد يذكروننا كل لحظة بأنهم لنا بالمرصاد، وبأن ما يرتكبونه من جرائم في حقنا وحق غيرنا ليس إلا ترجمة عملية لما يدعوهم إليه خطابهم الديني، وهو الخطاب الديني السائد حتى الآن. هذا العصر الذي نعيش فيه، وهذه الأفكار والمبادئ والقيم التي نهتدي بها، وهذه القوانين التي نلتزمها، وهذه الدول وهذه النظم وهذه المؤسسات التي نحيا فيها ونعيش في ظلها، كلها في نظر الخطاب الديني السائد حرام. كلها منكر يجب على المسلم أن يغيره بيده طالما استطاع، ولا شك أن جماعات الإسلام السياسي تستطيع، لأنها أصبحت تنظيمات واسعة محلية ودولية، تملك الكثير وتتلقى الكثير، وتطمع في السلطة مثلما تسعى داعش في سوريا والعراق، وكما فعلت الإخوان في مصر وتونس والسودان. إن كنا أسقطنا حكمهم في مصر فنحن لم نسقط خطابهم. وها هم الآن يعودون من جديد ليتحدثوا عن مصالحة. مصالحة مع من؟ لا ندري؟ وبشروط من؟ بشروطهم هم. لأنهم يتحدثون عن عودة للحياة السياسية يمارسون فيها على حد قولهم ما كانوا يمارسونه في أيام مبارك قبل ثورة يناير، ليصلوا بالطبع كما يخططون إلى ما وصلوا إليه بعدها. هل توقف الداعون لتجديد الخطاب الديني عن مواصلة دعوتهم ليفسحوا الطريق لهذه المصالحة المريبة؟ في اعتقادي أنها وهم، والحرب سجال بيننا وبين هذه الجماعات. ولن نحقق فيها نصرنا النهائي إلا بخطاب ديني جديد ننقذ به أنفسنا، وننقذ به العالم، وننقذ به هذه الجماعات الضالة. تجديد الخطاب الديني هو طريقنا الوحيد لحياة آمنة مستقرة نستأنف فيها السير في طرق النهضة التي لم نصل فيها إلى غايتها، ولم نحافظ حتى على المكاسب التي حققناها فيها، لأننا ترددنا دائماً في إصلاح فكرنا الديني، وظننا أننا قادرون على أن نعيش في هذا العصر الحديث بالفتاوى المنسوخة مما كان معمولاً به في العصور الوسطى. هكذا وقعنا في الفخ الذي نصب لنا. فليس بعقلية العصور الوسطى نبني دولة وطنية أو نقيم نظاماً ديمقراطياً أو نفصل بين الدين والدولة، أو نتخلص من الطائفية ونصبح مواطنين، أو نحتكم للعقل ونكتشف الطبيعة ونقدس حقوق الإنسان. وإنما نحقق هذا كله بخطاب ديني جديد ينبع من ثوابت الدين ويتوافق مع ثوابت الدنيا وهي المصالح والمقاصد التي تتعدد الطرق إليها وتظل ماثلة أمامنا تهدينا سواء السبيل. لابد من تجديد الفكر وتجديد الخطاب لنتجاوب مع العصر الذي نعيش فيه ونحافظ على ما نملكه ونحميه وننميه ونتغلب على المشكلات التي تواجهنا. إذاً، تجديد الخطاب الديني أمر لا يتعلق فقط بحربنا مع الإرهابيين والمتطرفين، وإنما يتجاوز هذه المسألة إلى كل مسألة نحتاج فيها للتخلص من فكر الماضي، وإلا فنحن معرضون دائماً للوقوع في فخاخه المنصوبة التي تشدنا إليها مهما ابتعدنا. لأننا نبتعد عن الماضي بأقدامنا ونظل مرتبطين به مشدودين إليه، ونظن حين ارتدينا أزياء الحاضر واستخدمنا أدواته أننا صرنا من أهله وانفصلنا عن الماضي وتجاوزناه. الحقيقة أننا بأفكارنا ومشاعرنا خاضعون له موصولون به وأن الذين نصبوا لنا الفخاخ يستطيعون أن يشدونا إليها حين يشاءون فننشد ونتقهقر حتى نخرج من الحاضر الذي لم نعرفه ولم نتوطن فيه لنعود إلى الماضي ونقع في فخاخه التي نصبها لنا البعض وغطوها بوعود كاذبة يزعمون فيها أنهم تخلوا عن العنف وآمنوا بالديمقراطية واتفقوا على المصالحة. لكنهم بهذه الوعود الكاذبة لا يكذبون علينا وحدنا، بل يكذبون أيضاً على أنفسهم، يريدون أن يعودوا للمجتمع وأن يشاركوا في نشاطه، لكنهم يعجزون عن المشاركة، لأنهم محبوسون في الماضي مقيدون بخطابه الذي يتوهمون به أنهم ملاك الحقيقة، وأن لهم الحق وحدهم في إبداء الرأي واتخاذ القرار. هكذا فعلوا حين اشتغلوا علناً بالسياسة، وخاضوا الانتخابات، وفازوا، وشكلوا الحكومة، ورأسوا الدولة فعدلوا الدستور، وغيروا القوانين، وتحرشوا برجال العدالة، واضطهدوا المعارضين. وقرروا أن ينفردوا بالسلطة فاشتعلت الثورة وانطلقت الدعوة لتجديد الخطاب الديني الذي لا نستطيع من دونه أن نكسب معركتنا مع هذا الخطر الداهم الذي لا يتمثل في الإخوان وحدهم، وإنما يتمثل في كل الجماعات وفي كل المؤسسات التي تدين بما يدين به الإخوان. ما علينا إلا أن نتصفح الكتب المقررة على طلاب المعاهد الدينية وطلاب المدارس الحكومية، وأن نستمع لبعض خطباء المساجد، وأن نتابع ما ينشر عن بعض المشتغلين بالقانون لندرك أن الخطر الذي نواجهه لا يتمثل في الإخوان وحدهم.