×
محافظة المنطقة الشرقية

أقارب الضحايا يشتبكون مع الشرطة كوريا الجنوبية تنتشل المزيد من القتلى في العبارة المنكوبة

صورة الخبر

النسخة: الورقية - سعودي كل شيء يتحرك، وهكذا هي الحياة أيضاً بمن فيها وما عليها في حركة دائمة، فإما وعي يجعل الحركة باتجاه الحكمة والفعل الرشيد، وإما ضياع يجعل الحركة في الاتجاه التائه وتصبح الحكمة ضائعة في الوهم والزيف والضجيج. هكذا يضيع الإنسان ويضيع إبداعه في اضطرابات نفسية ومجتمعية تهوي به إلى أدنى مستويات الوجود، أو من خلال مجتمع لا يعي قيمة الإبداع والعطاء، أو من خلال فراغات تشريعية وتنظيمية تحمي أكبر مساحة ممكنة للحرية والازدهار الفكري. فلماذا تضيع حكمة الإنسان ويستهلك حياته بدلاً من أن يستثمرها؟ لماذا تضيع مخرجاته وتهدر طاقته؟ لماذا يتبدد مستقبله من الأمل إلى الألم؟ إننا في مرحلة من الحياة لا تسمح طبيعتها بصناعة الشمّاعات التي نعلق عليها أسباب الإخفاق في فهم الإنسان ومراغمته للوجود خارج روح العصر الذي هو فيه. لا بد من الدخول الجاد والصريح في حال البحث عن الحكمة الضائعة في الإنسان والحياة، والعمل على إعادة إنتاج الثقافة والتعليم، بل والأنظمة والقوانين، وكل شيء، ليتمكن إنسان اليوم من روح العصر ومتطلبات الوجود. وكما يقول فولتير: «لكل عصر روح وشرور، ومن لم تكن له روح العصر كانت له شروره»، وفي عالم مزيج من الضجيج يصبح البحث الجاد عن الحكمة الضائعة حتمية مصيرية في قراراتنا الكبرى حتى لا نغرق في تفاصيل الحياة وتزهق أنفسنا ونفسياتنا. إن تحولاً كبيراً لا بد من أن يحدث في مفاهيمنا حول الإنسان وحقه في الحرية والحياة. ومن أجل ذلك لا بد من تغيرات كبرى في خطاباتنا الدينية والثقافية والاجتماعية، وإعادة سياسة التعلم والتعليم ومفاهيم المعرفة وأخلاقياتها. ولن يكون ذلك فاعلاً ومجدياً إذا لم نتخذ قرارنا في كل المستويات، لإنهاء صراعاتنا النفسية ونحسم معاركنا الكلامية لمصلحة الإنسان والوطن والمستقبل الذي يتشكل من ذبذبات الواقع ومنجزاته. نحن أمام مسؤولية البحث والفعل من أجل وجود الحكمة. ولنا الحق في ممارسة كل الأسباب التي تقضي على موانع الاستقرار النفسي والاجتماعي، كلاُّ من موقع مسؤوليته، بداية من أصحاب القرارات المركزية، وبمشاركة كل الفاعلين في مستويات الوعي والتفكير والعمل والممارسة. وحتى نكون جادين في البحث عن الحكمة الضائعة فلننطلق من الاعتراف بالمساحة الشاسعة بين ما نريد وما نحن عليه، وبين إمكاناتنا ومخرجاتنا، وبين قيمنا ومقدراتنا وما نحن نمارسه ونتحدث عنه. فالباحثون عن الحكمة يجب أن يكونوا بقوة الحكمة التي عنها يبحثون. وليست الحكمة الضائعة هلامية غير مفهومة، وليست الحكمة الضائعة قطعة من التأريخ والتراث نحاول استرجاعها ومراغمة توظيفها. إن الحكمة الضائعة هي الإنسان الذي فقد معنى الوجود، الإنسان الذي فقد توازنه فاضطربت نفسيته وتزعزعت ممكناته، إنسان لم يعد يأمن أخاه، لأن الإنسان اليوم قتل الإنسان في شكل لم يُسبق له من قبل. وظلم الإنسانُ الإنسان، وبخسه. في معاندة صريحة لحكمة الوجود وهداية الأديان، وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: (الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ النَّاسُ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ وَالْمُؤْمِنُ مَنْ أَمِنَهُ النَّاسُ عَلَى دِمَائِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ)، وغير ذلك من الآيات والأحاديث التي لم تعد واقعاً في حياة الناس بعد أن حُوِّلت إلى جدل كلامي في معاني الإيمان والإسلام وشروطهما. إن العالم الذي حصل على الحكمة قد أنهى صراعاته المفاهيمية حول الفلسفة والدين، وأنهى صرعاته الطبقية المجتمعة، وجعل السيادة للعلم والمعرفة، وتشكلت قوانينه وفقاً لذلك. وهكذا تكون طريق الحضارة والرقي الإنساني التي تسمح بالنمو والفاعلية المشتركة وصناعة الحياة الجديدة بوعي جديد. وإلا فلا معنى للكلمات والخطب، ولا معنى للإنفاق والدعم ما لم تنتهِ أسباب الاضطراب ومعاول الهدم التي تهدد التنمية البشرية وتقضي على مشاريع الحياة الكبرى من الأمن والنسيج المجتمعي والمنجزات الحضارية. خلاصة القول: إن الوصول إلى الحكمة الضائعة ليس صعباً، ولكنها بكل وضوح: الإنسان وحقه في الحرية والحياة. وما يتطلبه ذلك من وعي سياسي ومعرفي وتشريعي قانوني. ويبقى الجواب معلقاً على مخرجات الواقع ومنجزاته، وليس عبر ما يصلنا من بريد المدينة الأفلاطونية. ونحن قادرون بإذن الله عندما تكون جاهزيتنا صادقة، وبوصلتنا في الاتجاه الصحيح. فالإمكانات التي تتوافر لدينا والإرادة القيادية لا توجد مثل ما هي الآن. ونحن أمام مسؤولية الاستثمار الأكثر والأفضل والأجمل، وألا نسمح بإهدار الفرص السانحة والعطاء المتدفق، وهو ما سنلمس أثره ونحصد زرعه في واقع يتألق ومستقبل يزدهر بإذن الله. إنه نعم المولى ونعم النصير.     * عضو مجلس الشورى. alduhaim@