×
محافظة المنطقة الشرقية

تأجيل محاكمة مرسي و 14 من قيادات الإخوان بتهمة قتل المتظاهرين لـ 3 مايو

صورة الخبر

مرة زمان.. سافرت إلى الجنوب.. إلى أسوان.. بغرض السياحة، وبهدف التعرف على ناس البلد الذين هم من بني جنسي!! وحين قابلتهم شعرت بالزهو، وعرفت معنى الفطرة!! وأسوان لمن لا يعرف، من مدن الله التي حباها بفضل من عنده، وبجمال له فرادة في كل تجلياته، يدعو إلى الدهشة، وعبر لياليها الافريقية، وسهرها الجنوني، وأناشيدها المحملة بالشجن تشعر بافتقادك، وأنك لم تعش مساءات مماثلة، ولم تمارس لحظات مثل هذه تشبه الحلم!! جنادل الصخور الوردية تصطدم بصخور منحوت عليها الكتابة القديمة التي تشبه الطيور، ورسوم لفراعين مضوا، وعلى شواطىء نيلها معابد لجبابرة مروا من هنا، تقبع تحت النخيل، والسد العالي هناك يعني إرادة العمل، وزمن الكبرياء، وشراع السفين راية مرفوعة في سماء صاحية. مدينة تشرح القلب، ومن طينة أخرى!! بسمة دائمة على الوجوه، ولمعة في العين، وصوت يجلجل دائما بالموَال الأسواني، والناس على أرضها معجونة بالطيبة والأمانة، وسمو الأخلاق، وعبر عموم مصر كلها ينبع صوت من الزحام: الأسوانية أطيب ناس!! عليك أن تثق أن أهل أسوان من الأجاويد. يعيش فيها أهل النوبة أولاد حضارة سالفة. يجاورهم قبائل العرب الذين جاءوا مع الفتح الإسلامي وبعده، استدعتهم أناشيد الماء الجاري، والخضرة الوارفة. قبائل من هوارة وحدارية وأنصار وقضاعة وجهينة وحجيرات وهلالية وغيرهم، سكنوا المكان جميعا في بلد يزدحم بالرموز والمعاني، بلد للخيال يعيش مستورا بعشوائية الأرزاق، وبالنوايا الحسنة!! ماذا حدث هناك؟!.. ما الذى جرى؟! مدينة مثل هذه من قلب حالها؟!.. وهبت عليها العواصف التي عكرت ماء النيل، وخضبت الجباة بالدم، وحولتها من مكان آمن إلى مرتع للجنون!! ماالذي جرى لهؤلاء الطيبين، أهل الفطرة والسماحة، ناس الجيرة السمحة، هؤلاء الذين يقيمون تحت ظلال من القيم الفاضلة، أهل السماح الملاح؟! هل بدأ الخلاف بين عيال، ثم وقعت فيه الكبار؟! من يصدق أن سطوراً شاذة كتبت على الجدران كانت هي السبب في إشعال الحريق؟ هل هناك في السر من يعبث بأمن وطن بطرق متعددة، نرى أفعاله الآن في كل شيء، ونشاهد مؤامراته في السر والعلن، لا يكف عن تدبير الأسباب ليغرق البلاد والعباد في أتون الهدم والكراهية!! فتنة بكل أبعادها، وبهذا الحجم المريع تدعونا بأن نحترس!! أيام قليلة وانقسمت أسوان الهادئة إلى طوائف وقبائل وصراع بين الجيران القدامى، وطوفان من السلاح يأتي من الغرب، ومن الجنوب، والصحراء بفضائها المريب مأوى للكارهين المتعصبين، والخارجين على القانون!! المدينة الآمنة تستيقظ ذات صباح على أطلاق نار من ناحية قبيلة الدابود النوبية فتتصدى لها قبيلة الهلالية العربية، فيمارس أهل المودة والإخاء اشتباكات شرسة بالسلاح ليقتل من الأبرياء 26 إنساناً، والجرحى ضعفهم، والمدينة تروع بالموت والخوف!! اعتمد أهل الحكم والإدارة عبر السنين الأخيرة أن الأمور على خير حال. ونسوا أن الوطن مرت عليه ستون عاما عاش فيها العجب.. تغير فيها الكثير من الأمور، والبشر بسبب من الأزمات الطاحنة لم يعودوا هم.. إن ما جرى قد تفاعل مع الزمن بقسوة وعنف، وإن المتغيرات التي جرت، والمظالم التي حدثت قد أصابت وعي الناس، ونفخت في النار تحت الرماد. من الغائب، الحاضر الذي أمد القبيلتين بالسلاح؟؟ وذلك الذي كتب شعارات الكراهية والعنصرية على الجدران بدعوى الوقيعة؟ هي أحوال الناس البائسة بعد ركود السياحة التي كانت مصدرا للعيش، وشح الأرزاق، والبطالة، وصوت الإرهاب المريع، كل هذه الأمور هيأت المناخ للخروج الوحشي على القوانين، وكانت الدافع الحاسم للتحول المريع لأهل أسوان. هل غياب التنمية، وانشغال أولي الأمر بالعاصمة، ونسيانهم الجنوب من غير رعاية. يبقى من المأساة مشهد تلك العربة الكارو التي يجرها حمار هزيل، وهي تحمل جثث القتلى وتسير على أرض الشارع، والقتلى ما يزالون بدمائهم.. مشهد لا ينسى.. ولا يليق بوطن طيب، ولا ببشره الطيبين. وبالرغم من كل ذلك، تخبرنا حكمة السنين: أن من أرادها بسوء قسمه الله.