مع كامل احترامي وتقديري واعترافي بوطنية ونزاهة وحسن نية غالبية من تمت إعادتهم إلى مناصب قيادية في البلد بعد تقاعدهم من الوظيفة الحكومية أو إعفاء من المسؤولية، إلا أنني أستغرب من إعادتهم إلى قيادة مؤسسات جديدة على خبراتهم السابقة، والزمن يتطور بسرعة وتتطور أدواته وتقنياته، وللعطاء حدود وللسن أحكام.وفي المؤسسات التي ولوا عليها، أناس أحق وأجدر منهم على توليها، بمعرفتهم التامة بطبيعة العمل وقربهم من الكادر الوظيفي فيها، ما يعني سرعة التأقلم وسهولة الإدارة، والرضا والقبول من زملائهم هناك. بل إن من عينوا كانت خدماتهم وخبراتهم السابقة تختلف تماماً عن طبيعة الأماكن الجديدة التي ولوا عليها، فعلى أي نوع من الطاقة سيحرك مهندس مثلاً شؤون ديوان الموظفين بالقوانين القديمة قدم الروبية والبيزة، ويديرها أناس دستورهم الروتين، والبيروقراطية شريعتهم؟ومن المثير للقلق والريبة، عودة بعض من كانت لهم إخفاقات كارثية في الإدارات كلفت الدولة خسائر مليارية، وعودتهم اليوم فيها نوع من التحدي للناس وتشكيك في نوايا الحكومة في الإصلاح، وسلب لحق القيادات الوسطى التي تنتظر دورها بشغف لتولي القيادة، وتطوير العمل وتجديد أدواته، ما يثير التساؤل لدينا: «أليس في البلد غير هذا الولد»؟ كما يقول المثل الشعبي، أم أن القضية ليست البحث عن الأكفأ أو السعي للإصلاح، وأن المناصب القيادية في البلد نوع من الهدايا والعطايا والترضيات، والكفاءة والخبرة والنزاهة ليست من شروطها، وأنه «ليس في البلد إلا هذا الولد»؟