حتى قبل أن يُنسب إلى "مسؤول روسي" كبير أن بلاده لن تصطدم بالولايات المتحدة عسكرياً مهما حصل؛ فقد كان واضحاً أن روسيا هي مجرد "نمر من ورق"، كما وصف ماوتسي تونغ ذات يوم أصبح بعيداً القوى الإمبريالية، وأنها أضعف من أنْ تدخل في مواجهة عسكرية مع دولة لا يستطيع حتى الذين يبغضونها ولا يريدون لها إلا الويل والثبور وعظائم الأمور، إنكار أنها الأكثر تفوقاً والأقوى في العالم كله. على غير ما يتمناه "أتباعها"، الذين كانوا "أتباعاً" للاتحاد السوفياتي، ويعتبرون أن هذه الـ"روسيا الاتحادية" وفلاديمير بوتين استمرار لزعيمة العالم الاشتراكي ولرمزه التاريخي فلاديمير اليتش لينين؛ فهذه الدولة مصابة بالإعياء الاقتصادي حد الاقتراب من الانهيار، وهذه الدولة التي من قبيل "المكابرة" تواصل "هواية" غزو النجوم تعاني تخلفاً عسكرياً شديداً قياساً بالقدرات العسكرية الأميركية التي لا ينكر تفوقها حتى كبار الجنرالات الروس الذين كانوا قد عانوا مرارة هزيمة جيشهم في أفغانستان. إنه لاشك أن روسيا الاتحادية تجد أنها متفوقة عسكرياً عندما تقيس نفسها بـ"الجيش العربي السوري"! وبجيوش بعض دول هذه المنطقة، وأيضاً بجيوش بعض الدول الأوروبية، باستثناء فرنسا وبريطانيا بالطبع، أما بالنسبة للولايات المتحدة فإنها تعرف أن الكف لا تستطيع مواجهة المخرز، وأن الفرق بين قدراتها العسكرية والقدرات الأميركية كالفرق بين الأرض والسماء، ولذلك عندما "بدأ التسخين جدياً" بادر هذا المسؤول الروسي الكبير إلى تأكيد استبعاد أي مواجهة عسكرية بين بلده وأميركا. لقد استغل الروس ميوعة باراك أوباما ورداءة أداء إدارته، وبخاصة بالنسبة للأزمة السورية، فظهروا بكل هذه القوة الكاسحة وفرضوا وجوداً عسكرياً طاغياً على المنطقة من خلال قاعدة "حميميم"، ومن خلال استهداف المعارضة السورية. أما بعد رحيل هذه الإدارة فإن "الفرصة" التي اقتنصها فلاديمير بوتين، الذي وصفه أحد الجنرالات الأميركيين الكبار بأنه "ليس استراتيجياً على الإطلاق" وأنه "نهاز فرص"، قد تضاءلت حتى حدود التلاشي، وبخاصة بعد الضربة التي وجهها دونالد ترامب لقاعدة مطار "الشعيرات" الروسي، لا السوري، وهذه هي الحقيقة. إن بوتين يعاني أوجاعاً كثيرة، فبالإضافة إلى الأوجاع الاقتصادية، وبخاصة بعد انهيار أسعار النفط، هناك وجع القرم وأوكرانيا وجمهوريات البلطيق، وهناك وجع الداغستان والشيشان، وهناك وجع العنف الذي بات يضرب في كل مكان... وهناك أيضاً وجع ثبوت أن للإرهاب خلايا نائمة في العديد من المناطق الروسية، وحتى في موسكو نفسها!