عمر جماعة الإخوان المسلمين يتعدى أعمار أنظمة خليجية وعربية، حيث تأسست عام 1928م، مع ذلك لم تنجح هذه الجماعة في فهم الواقع السياسي العربي، أو تدرك طبيعة اللعبة الديمقراطية ومتطلباتها الحقيقية، أو تخرج من دائرة صراع الجماعة والجيش،، رغم أنها مرت خلال مسيرتها الدينية التي وصلت العالمية بثلاث مراحل سياسية أو منعطفات تاريخية خطيرة، أسهمت في تشكيل بنيتها السياسية وتحديد نوعية خطابها الجماهيري، فالمرحلة الأولى كانت (المواجهة) العلنية لحكومة القصر الملكي المدعوم من بريطانيا 1946م، والمرحلة الثانية كانت (الملاحقة) الأمنية من قبل نظام جمال عبد الناصر عقب ثورة 23 يوليو، أما المرحلة الثالثة فكانت (المشاركة) السياسية، التي بدأت مع السادات وامتدت إلى عهد ثورة 25 يناير مروراً بعهد حسني مبارك، مع تباين هذه الحالة ومساحتها على أرض الواقع ومعطياتها سلباً وإيجاباً. هذا المقال لا يهدف إلى شيطنة هذه الجماعة كما يفعل الإعلام العلماني أو الليبرالي أو اليساري، في حمأة حربهم الفكرية مع هذه الجماعة، رغم أنها خرجت من النسيج المصري وصارت رقماً صعباً في الساحة المصرية، إنما يسعى إلى تسليط الضوء على أحد إشكالات واقعها الحالي، خاصةً بعد ثورة 25 يناير ومن ثم تصدرها للمشهد السياسي بفوزها بالانتخابات البرلمانية ثم الرئاسية من خلال ذراعها السياسي حزب (الحرية والعدالة)، وهنا تحديداً تبدو الإشكالية أو بالأصح تكمن الأزمة، التي لازالت ملازمة لمسيرة الإخوان المسلمين فلا هم تخلصوا منها، ولا هم انتبهوا لها وعملوا على حلها، بل المشكلة أنهم يكرسون هذه الإشكالية وكأنهم غير مدركين لحقيقتها وسلبية تأثيرها على مستقبلهم وربما وجودهم، حتى أن خبرتهم السياسية خذلتهم في ملاحظتها. الأزمة تكمن في ازدواجية خطاب الإخوان المسلمين في المشهد المصري. ازدواجية الخطاب الإخواني يتجلى بين الطرح (المدني) الذي يمثله حزب الحرية والعدالة، والطرح (الديني)، الذي تمثله الجماعة نفسها في تناول القضايا التنموية والمواقف السياسية والأوضاع الاجتماعية التي تحكم الحياة المصرية عموماً. في المقابل نجد أن خطابات الأحزاب السياسية في مصر جميعها متسقة مع طبيعة أحزابها (حزب واحد بخطاب واحد)، فبغض النظر عن كل مضامين خطابات تلك الأحزاب، سواءً كانت ليبرالية أو علمانية أو يسارية أو ناصرية أو سلفية أو وسطية، فإن خطاباتها تعكس طبيعتها وتعبر عن كينونتها، فعلى سبيل المثال حزب (الوفد) الليبرالي خطابه واحد وله قيادة واحدة تتعامل بمفردات معينة ومحكومة بقيم محددة، أو حزب (التيار الشعبي) تجد خطابه يمثل جهة واحدة ويحمل مضامين ناصرية، وكذلك (التجمع) اليساري، وقس على ذلك بقية الأحزاب، بينما الإخوان المسلمون لهم طرح تعبر عنه الجماعة ذاتها، ولهم طرح مماثل يتصف بمضامين مدنية يصدر عن ذراعهم السياسي حزب (الحرية والعدالة). لهذا تجد متحدثاً للجماعة كما تجد متحدثاً للحزب، ومستشاراً قانونياً في الجماعة وآخر في الحزب، والأغرب هو في طبيعة العلاقة بين المرشد العام للجماعة وبين رئيس الحزب مع أنهما في الواقع يمثلان جهة واحدة. فالمرشد منصب ديني له اعتبارات تعمل وفق أدبيات ومفاهيم دينية، في مقابل رئيس الحزب الذي يعمل وفق اعتبارات ومفاهيم حزبية ضمن إطار الحالة السياسية لجمهورية مصر العربية. وهنا لا أفصل بشكل علماني بين ما هو ديني في الجماعة وبين ما هو سياسي في الحزب، لأن هذا الفصل حادث فقط في الأداء، أما منظومة القيم السائدة والمرجعية الحاكمة فهي بالنسبة للحزب والجماعة واحدة، ولكن اختلاف الأداء بين الجماعة والحزب وبالذات في ازدواجية الخطاب يتضارب مع اعتبارات معلومة تتعامل بها جماعة الإخوان المسلمين في عضوية أتباعها، ولعلنا نتذكر ذلك الجدل السياسي الذي وقع بعد انتخاب الرئيس محمد مرسي وقضية (بيعة المرشد)! فمرسي عضو بالإخوان ما جعله تحت قيادة المرشد، وقد ترشح من خلال حزب الحرية والعدالة التابع لجماعة الإخوان المسلمين! ومرشد هذه الجماعة هو في النهاية مواطن أعطى صوته لهذا المرشح! فكيف تستوي هذه المسائل في سياق عمل سياسي منظم؟. مع كل ذلك كيف سيكون الحال لو تخيلنا أن جماعة الإخوان المسلمين لم تعد موجودة في الساحة المصرية، أو أنها حلت نفسها من سنين، وأن أتباعها اندمجوا أكثر في نسيج الشعب المصري، ومن ثم توزعوا على خريطة الأحزاب الإسلامية مع قيام ثورة 25 يناير، فهل ستقع الجماعة في ورطتها السياسية الحالية وتخسر جزءاً من رصيدها الشعبي بسبب صراعها القائم مع الجيش والشرطة والإعلام. لذلك سبق أن كتبت هنا قبل شهور عن فكرة (حل جماعة الإخوان المسلمين) بمقال حمل عنوان: الحل في الحل! والمفارقة أن الحكومة المصرية تدرس حالياً فكرة حل الجماعة أو حظرها لأنها حسب رأي السياسيين المصريين صارت عبئاً على الحياة المصرية وجدلاً قانونياً لا ينتهي! والواقع أن الجماعة صارت عبئاً على نفسها أثّر بشكل كبير على أداء حزبها السياسي. وقد ذكرت في ذلك المقال أن أسباب نشأة الجماعة قد انتفت من الواقع المصري، فلا يوجد استعمار غربي ولا موجات تغريبية، كما صار لها قاعدة شعبية في النسيج المصري، وأن الأفضل لها أن تتحول إلى جمعيات دعوية ومؤسسات خيرية تسهم في رفع المعاناة المعيشية عن الشعب المصري عوضاً عن تكريس أزمة خطابها. alkanaan555@gmail.com تويتر @moh_alkanaan