أوضحت نتائج استطلاع حديث لرأى الإسرائيليين، تراجعاً في نسبة المؤيدين لمبدأ «الأرض مقابل السلام»، مقارنة باستطلاعات سابقة مشابهة. أظهر الاستطلاع أن مؤيدي هذا المبدأ، كأساس للتسوية الفلسطينية، ليس أكثر من 37 في المئة من الجمهور اليهودي، بعد أن كان المعدل حوالى 60 في المئة عام 2005. وفق الاستطلاع ذاته، قال 80 في المئة إنهم يرفضون بالمطلق التخلي عن الحرم القدسي الشريف في أي تسوية سياسية. اعتبر 79 في المئة أن مدينة القدس، يجب أن تبقى على وضعها الإداري الحالي بالكامل ضمن حدود دولة إسرائيل، وأيد 81 في المئة التمسك الإسرائيلي بالسيادة على غور الأردن، مع رفض الاعتماد على أي قوة دولية كبديل لهذه السيادة. هناك ما يدعو للتشكيك في استقامة هذا الاستطلاع ونتائجه، فالجهة التي أجرته، هي مركز القدس للشؤون العامة والدولة، الذي يرأسه دوري غولد المدير السابق لوزارة الخارجية الإسرائيلية، وأحد أعضاء الطاقم الفكري والسياسي المخلصين لرئيس الوزاء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، وهذه خلفية تكفي للاعتقاد بأن غولد ربما أراد إسناد سيده وقدوته، عبر آلية تثير الظن بأن نتنياهو بتعنته إزاء التسوية، إنما يذعن لصوت الأغلبية في بلد ديمقراطي. استطلاعات الرأي ليست دائماً عملاً بريئاً لا يأتيه الباطل، وفي حالات بعينها، لا ينبغي استبعادها من أدوات التأثير في المناظرات والمساجلات السياسية. ومع ذلك، فإننا إذا افترضنا موضوعية غولد وصدقية نتائج استطلاعه، فإن السؤال الذي يسترعى الانتباه، يتعلق بإذا ما كان نتنياهو وبطانته مجبرين بالفعل على عدم إغفال هذه النتائج بين يدي مقاربتهم لعملية التسوية؟! الخبرات والسوابق تؤكد أن صناع القرار عموماً، دون استثناء الإسرائيليين منهم، قد يأخذون الاستطلاعات بعين الاعتبار، لكنهم لا يخضعون وجوباً لنتائجها. هذا، وإلا ما الذي حال بين نخب الحكم والسياسة في إسرائيل وبين إنجاز التسوية الفلسطينية، وقت أن كانت أغلبية الرأي العام الإسرائيلي تميل إلى مبدأ الأرض مقابل السلام، نزولاً عند استطلاعات عام 2005؟.. في فبراير الماضي، أكد استطلاع آخر، أن 67 في المئة من اليهود الإسرائيليين يعارضون سياسة حكومتهم في محاصرة قطاع غزة، ويعتبرون أن تحسين أوضاع غزة، يخدم مصالح إسرائيل، فهل صدر عن هذه الحكومة أي بادرة توحي بالعمل بهذا الرأي، الذي ينسب للأغلبية الشعبية؟. بالمناسبة، نذكر الذين يعتقدون أن الديمقراطيات تنصاع لنوازع الرأي العام وتفضيلاته، بأن الحكومات الأوروبية سبق لها أن تبرأت من نتائج استطلاع واسع النطاق، أثبت منذ بضعة أعوام، أن أكثر من 60 في المئة من عامة الأوروبيين، يدرجون إسرائيل في طليعة دول العالم الأكثر خطورة وتهديداً للسلم والأمن الدوليين. افتراض صحة استطلاع مركز غولد، يثير أيضاً السؤال عن أسباب انجراف أغلبية الإسرائيليين إلى مربع رفض المبدأ الذي تحرك قطار التسوية وفقاً له قبل ربع قرن؟ سيقول البعض إن البيئات المحيطة، حيث الانقسام الوطني المروع فلسطينياً، وأحوال الأقطار العربية، وصعود قوى اليمين المتطرف في الغرب الداعم لإسرائيل دولياً، تلاقت جميعها على تعزيز الاستقواء الإسرائيلي، والطمع أكثر فأكثر في الاستحواذ على الأرض والسلام معاً. هذا صحيح إلى حد بعيد، لكن ثمة سبب حاسم، لا ينبغى استبعاده في هذا الإطار، يتعلق بالدور التخريبي ضد عملية التسوية عموماً، الذي مارسته نخب الحكم والسياسة الإسرائيلية بزعامة نتنياهو، فخلال السنوات العشر الأخيرة بالذات، قلبت هذه النخب كل حجر، بحثاً عما يعرقل هذه العملية، ويحرض الرأي العام الإسرائيلي على إفشالها. بعيداً عن التفاصيل، يمكن الزعم بأن الإسرائيليين قاربوا أمر التسوية بالحيثية التي أرادها صناع القرار، وكانوا عملياً «على دين ملوكهم».. لكن المشكلة في هذه الحالة، أن هؤلاء «الملوك» يعيشون في ضلال بعيد. إنهم يعادون كل الحلول الممكنة ويفسدونها، ولا يكادون يهتدون أو يهدون غيرهم إلى حل ناجع لمعضلتهم التاريخية مع الحقوق الفلسطينية، معتمدين على دوام الحال الراهن.. ويعرف الخلق جميعاً، أن هذا هو المحال بعينه.