تباين آراء أعضاء مجلس الشورى حول ما يطرح في المجلس وعلى المجلس من القضايا ظاهرة صحية تعكس ما يتمتع به المجلس من تعددية وتمثيل لمختلف الأطياف الفكرية والثقافية وما تتأسس عليه من اختلافات ترتكز على عوامل اجتماعية واقتصادية. غير أن هذا الاختلاف لا يبدو ظاهرة صحية حين يفتقر للأسس العلمية التي ينبغي أن يكون مبنيا عليها ومنطلقا منها، وهي الأسس التي من شأنها أن تشكل المرجعية التي يمكن أن يحتكم إليها المختلفون، وتشكل ــ في الوقت نفسه ــ الضمانة التي تكفل التوصل إلى اتفاق، في نهاية المطاف، يمكن المجلس وأعضاءه من اتخاذ القرار الذي ينبغي عليهم اتخاذه، وبدون ذلك القرار، فإن النقاش سوف ينتهي إلى ما يمكن اعتباره جدلا بيزنطيا يمكن تقبله في حلقات العلم، غير أن من الصعب تقبله في مجلس الشورى. النقاش حول مسألة السياسة السكانية في المملكة يقدم أنموذجا واضحا على ذلك، وحسبنا في هذا المقام أن نشير إلى الآراء التي دارت حول بعض مصطلحات تلك الوثيقة، والتي يتضح من خلالها أن النقاش لم يكن يستهدف تحرير وتحديد المصطلح بقدر ما يهدف إلى استبعاده وإحلال تعبيرات مختلفة عنه لا تتصل به أو تدل عليه، وذلك حين طالب بعض الأعضاء بتغيير مصطلح (الصحة الإنجابية) وإحلال (صحة الأم والطفل) محله، وكذلك حين طالب البعض بحذف عبارة خفض معدل الخصوبة الكلي عن طريق تشجيع المباعدة بين الولادات واستبدالها بعبارة «وتشجيع الرضاعة الطبيعية»، وشتان بين ما ورد في الوثيقة الحكومية وبين التغييرات التي أراد من اقترحوها أن يتخلصوا من جوهر النقاش حول القضية المطروحة، والزج بعبارات لا تخرج عن المسلمات التي لا نحتاج فيها لمجلس شورى أو سياسة سكانية أو تفكير مستقبلي، فلا أحد ينتظر من مجلس الشورى أن يوصي بالعناية بصحة الأم والطفل أو ينصح بالرضاعة الطبيعية، وإنما أن يناقش تحديا تواجهه الأجيال القادمة يتمثل في الانفجار السكاني الذي لا يمكن أن يواكبه نمو في الموارد الطبيعية أو تقابل تصاعده خدمات موازية له تكفل عيشا كريما للأجيال القادمة.