يتابع محللون اقتصاديون مع مديري صناديق استثمار، التطورات الأخيرة في الأسواق المالية. إذ من شأن كل معلومة موثوقة تتسرب من هذه الأسواق سواء كانت ناشئة أم متقدمة، تغيير مسارات خططهم. ويرى خبراء سويسريون أن أحوال الأسواق المالية الدولية المتقلبة انتجت حالة من حروب التجسس الباردة بين الدول والشركات ومشغلي البورصات، لأنّ الحقائق التي تعيش عليها هذه الأسواق لا تُنشر في الصحف ولا في التقارير الاقتصادية، بل تبقى في أدراج محصنة. ولا شك في أن كل مَن يتمكن من فتح هذه الأدراج في شكل أو آخر، قادر على استغلال التجارة بهذه الحقائق المالية لتحقيق أرباح بملايين الدولارات. وعلى رغم أن لبعض الساحات المالية في القارة القديمة مثل بورصات لوكسمبورغ وسويسرا وألمانيا، ثقلاً مهماً على الصعيد العالمي، إلاّ أن الأسواق المالية الأميركية مع مؤشراتها، تبقى المرجع الأول والأخير في التداولات المالية حول العالم. كما أن الانتعاش الاقتصادي الأميركي، من دون احتساب سلوكيات المصرف المركزي الأميركي، يحافظ على «نفوذ» المؤشرات المالية الأميركية، ومن ضمنها «داو جونز» و «ستاندرد أند بورز» دولياً على المدى البعيد. وبالنسبة إلى الناتج القومي الأميركي، فهو سينمو إلى 2.5 في المئة هذه السنة، وطبعاً لا يمكننا التحدث عن نتائج ممتازة بل عن نمو متواصل وإيجابي لهذا الناتج. وعن عودة أزمة عام 1929 إلى البروز مجدداً، يستبعد الخبراء السويسريون هذا الاحتمال الكارثي. فعلى سبيل المثال لا يمكننا المقارنة بين أوضاع مؤشر «داو جونز» عام 1929 والأزمة الحالية نظراً إلى الفارق الزمني. وصـــحيح أن لرؤوس الأموال دوراً في ميزان الصحة المالية الدولية، كما أن الخسائر التي مُنيت بها البورصات في السنوات العشر الأخيرة، أيقظت مخاوف من رجوع عالم المال إلى حقبة «أهل الكهف». لكن أحجام رؤوس الأموال في الأسواق المالية الدولية، نمت منذ عام 1929 بنسبة 130 ألف في المئة. ومهما كانت الظروف المالية العاصفة بالعالم، إلاّ أن الجرعة العلاجية التي تحتضن كل واحدة منها مئات الملايين من الدولارات، قادرة على وقف النزيف حتى لو لم يكن مفعولها فورياً. يتوقف المراقبون السويسريون ليشيروا إلى أن سياسة المصرف المركزي الأميركي المعروفة باسم «الحوافز النقدية»، كانت الجرعة العلاجية التي أعادت الانتعاش إلى الاقتصاد الأميركي وساهمت في تقليص البطالة الأميركية إلى ما دون 7 في المئة. إلى ذلك يعتبر الباحثون في مصرف «يوليوس بير» السويسري، أن أسواق الدول النامية تمرّ في أزمة يُعزى جزء منها إلى تدهور أسعار المواد الأولية. وعلى رغم ذلك، سيبقى مفعول هذه الأزمة «محدوداً» على بعض الدول النامية. بمعنى آخر، لن ينتقل هذا المفعول إلى دول أخرى ولن يكون له صدى في الخرائط الاقتصادية الدولية. في نظرة إلى الاتحاد الأوروبي مثلاً، يُلاحظ أن الانتعاش الاقتصادي بدأ يشق طريقه ولو بوتيرة ضعيفة، كما المؤشرات الأوروبية الاستهلاكية والإنتاجية هذه السنة. لذا، لا يمكن مواصلة الحديث عن ظاهرة معروفة باسم «غريكسيت»، تتمثل في انشطار الاتحاد الأوروبي إلى دول قوية وأخرى ضعيفة. الأسواق المالية