يقول بعض المحللين إنها ليست أكثر من مجرد عرض للدخان والمرايا، بينما هناك محللون آخرون يأملون أنها قد تؤدي إلى تغيير حقيقي في السلوكيات الإيرانية. ولكن هناك حقيقة واحدة وأكيدة: الانتخابات الرئاسية في إيران، التي تعقد مرة كل أربع سنوات، هي ذات أهمية كبرى لسببين رئيسيين. أولا، يمكن اعتبارها النسخة الإيرانية من الانتخابات التمهيدية التي عقدت في الولايات المتحدة الأميركية بواسطة الحزبين الجمهوري والديمقراطي. وعلى الرغم من انقسامها إلى أربعة فصائل متنافسة على أدنى تقدير، فإن المؤسسة الحاكمة في إيران، في واقع الأمر، ليست إلا تكتلا سياسيا واحدا. وبالتالي، فإن الانتخابات الرئاسية هي وسيلة تهدف إلى تحديد أي الفصائل الذي سوف يُسمح له بتولي مقاليد السلطة في البلاد في أي وقت من الأوقات. ثانيا، تمكن الانتخابات الرئاسية الإيرانية الشعب الإيراني، أو على الأقل أولئك الراغبين في التصويت من بين جموع الشعب الإيراني، من الإشارة إلى أي من الفصائل المتناحرة التي يحبها أو يكرهها أكثر من الأخرى. وانتخابات العام الحالي في إيران هي من الأهمية بمكان لسبب آخر. بصرف النظر تماما عن شخصية الرئيس المنتخب، فهو سوف يلعب دورا بارزا في تحديد من سوف يتولى منصب «المرشد الأعلى» المقبل في إيران. يقول هادي قشتمند المحلل السياسي من طهران: «من المحتمل للغاية أن يخرج المرشد الأعلى علي خامنئي من المشهد السياسي الإيراني بالكلية خلال السنوات الأربع المقبلة أو نحوها. وفي واقع الأمر، لقد بدأت التكهنات بالفعل في الداخل الإيراني حول (من) سوف يخلفه في المنصب المهم». وهكذا، من المحتمل للرئيس الإيراني المقبل أن يرتقي بنفسه درجات سلم السلطة لأن يحتل منصب «المرشد الأعلى». وإن لم يفعل، فسوف تكون له الكلمة القوية المؤثرة في اتخاذ القرار بشأن من سوف يصعد إلى أعلى درجة في سلم السلطة الإيرانية. ومن السمات الأخرى المثيرة للاهتمام في انتخابات هذا العام في إيران هي الاحتمال القوي لأن يكون الرئيس الحالي حسن روحاني أول رئيس لإيران يخفق في تأمين فترة الولاية الثانية. وعلى الرغم من أنه من السابق لأوانه كثيرا أن نسطر المصير السياسي لروحاني، فإن هناك إشارات تفيد بوجود دوائر نافذة في داخل المؤسسة الحاكمة الإيرانية تعتقد أنه قد تجاوز فائدته المحددة بالوجه الباسم القادر على إجراء الحوار العقلاني مع الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما. يقول هوشانغ أمير أحمدي البروفسور الجامعي الإيراني الأميركي: «لقد رحل الرئيس أوباما ورحل برفقته وزير خارجيته جون كيري، ولم يعد بإمكانهما صنع أي شيء لصالح إيران. وبالتالي ليس هناك سبب يدعو المؤسسة الحاكمة في إيران للاحتفاظ بوجود روحاني». والأسوأ من ذلك، تعرض روحاني لهجوم قاس ومرير من قبل شخصيات قوية ونافذة في الداخل الإيراني مثل محافظ طهران محمد باقر قاليباف، الذي اتهم الرئيس الإيراني بقيادة إيران إلى «أزمة عميقة». وقال قاليباف، الذي ترشح لرئاسة البلاد في مناسبتين سابقتين، إنه لن يخوض السباق الرئاسي هذه المرة ولكنه هدد بأنه سوف يفعل كل ما في وسعه لأجل مساعدة «المرشح الراديكالي الحقيقي» في مواجهة روحاني. ومن بين «المرشحين الراديكاليين الحقيقيين» الذين يؤيدهم قاليباف، آية الله إبراهيم رئيس السادات، الذي غير اسمه إلى «آية الله رئيسي»، وهو المسؤول الحالي عن مؤسسة ضريح الإمام الرضا المقدس، وهي ثاني أكبر التكتلات الاقتصادية الإيرانية بعد شركة النفط الوطنية. وينتمي رئيسي إلى جيل الشباب من الثوريين الخمينيين الذين يرتقون سلم السلطة في إيران. ولقد كان في سن المراهقة عندما استولى الملالي على السلطة في البلاد عام 1979، وعندما بلغ 19 عاما من عمره أصبح المدعي العام الإسلامي في مدينة كراج غرب طهران، حيث نال سمعة إصدار أحكام الإعدام الكثيرة ضد معارضي النظام. وبعد ذلك بعامين، أصبح المدعي العام الإسلامي في العاصمة طهران، وأحد الخمسة رجال الذين نالوا التصريح من آية الله الخميني لإصدار أحكام الإعدام من دون المرور عبر القنوات القانونية التقليدية. وفي عام 1988 كان جزءا من اللجنة التي نظمت إعدام 4000 سجين سياسي في عطلة نهاية الأسبوع. ولدى رئيسي أصول أخرى. فهو من أبناء مدينة مشهد، وهي مسقط رأس المرشد الأعلى الحالي علي خامنئي. كما أنه أيضا صهر آية الله علام الهدى، أحد أبرز المؤيدين والمناصرين للصقور المتشددين من الملالي في داخل النظام الإيراني الحاكم. والأهم من ذلك، ربما، أنه يعتمر العمامة السوداء، التي تشير إلى أنه ينحدر من سلالة آل البيت وسليل الخليفة علي بن أبي طالب. ويدعي بعض رجال الدين أن أولئك الذين يتمتعون بهذا النسب هم الأكثر التزاما بالنظام الخميني. وكان الرئيس روحاني والرئيس الراحل هاشمي رفسنجاني من أصحاب العمائم البيضاء، التي تشير بالانتساب إلى «عامة الشعب». ويزعم رجال الدين الأكثر تشددا أن كلا الرجلين كان خارج النظام السياسي في إيران بدرجة أو بأخرى، لأنهما كانا من «الغرباء» على آل البيت. وبرغم ذلك، لا يعد رئيسي المرشح الراديكالي الوحيد الذي قد ينافس روحاني في الانتخابات المقبلة، شريطة حصوله على موافقة مجلس صيانة الدستور للترشح مرة أخرى. أما المتشددون من غير رجال الدين، والمرتبطون ارتباطا وثيقا بأقسام الحرس الثوري الإيراني، فلديهم مرشحان محتملان بارزان. أحدهما هو مستشار الأمن القومي الأسبق سعيد جليلي الذي كان يستعد لخوض الحملة الانتخابية طيلة السنوات الأربع الماضية. كما أن جليلي هو من أبناء مدينة مشهد، ومن المقربين للمرشد الأعلى علي خامنئي، ويشاركه موقفه القوي الصارم ضد الولايات المتحدة الأميركية ورؤيته للتحالف الاستراتيجي مع روسيا. والمرشح الراديكالي المحتمل الآخر هو العضو الأسبق في المجلس الإسلامي مهرداد بازرباش. وهو خطيب مفوه وقوي التأثير، ولقد رسخ من نفوذه بمعارضته الشديدة والقوية لما يسمى بالاتفاق النووي الإيراني بين روحاني وأوباما. وفي الانتخابات البرلمانية الأخيرة، فقد مقعده في المجلس الإسلامي عن طهران بسبب أن الكثير من الشعب الإيراني، في ذلك الوقت، كانوا يأملون في أن الاتفاق النووي سوف يُخرج إيران من عزلتها الدولية ويعيد تأسيس الاقتصاد الإيراني المنهك. ولم يحدث من ذلك من شيء، وأصبح بمقدرة مهرداد بازرباش الآن أن يعزف على نغمة «لقد قلت لكم ذلك» لإثارة غضب الجماهير في إيران. ولقد حاز مهرداد بازرباش بالفعل على تأييد صحيفة كيهان اليومية، التي يعتقد أنها تعكس وجهات نظر المرشد الأعلى خامنئي. ومن المثير للاهتمام أن الحرس الثوري الإيراني يبدو أنه قد اتخذ القرار بعدم الدفع بمرشح رئاسي من بين صفوف رجاله. فعلى غرار محمد باقر قاليباف، الجنرال في الحرس الثوري الإيراني، هناك الجنرال محسن رضائي القائد الأسبق للحرس الثوري الذي نأى بنفسه تماما عن خوض السباق الرئاسي. والشائعات التي تدور هنا وهناك بأن رحيم صفوي القائد الأسبق لقوات الحرس، يفكر في خوض الانتخابات الرئاسية الإيرانية، هي شائعات لم تسفر عن أي نتيجة حقيقية في أرض الواقع. ومن بين أنماط الراديكالية الإيرانية، كمثل ما يحلو للبعض تسميتها بـ«الشعبوية»، لديها هي الأخرى مرشحها الرئاسي في الانتخابات الإيرانية. إنه حميد بقائي، الذي شغل منصب المستشار الخاص للرئيس الأسبق محمود أحمدي نجاد. ولقد رغب أحمدي نجاد في خوض السباق الرئاسي بنفسه ولكنه تلقى الأمر من علي خامنئي نفسه بالابتعاد عن ذلك. وبالتالي، فإن حميد بقائي هو المرشح البديل مع فرصة ضعيفة للفوز أو حتى الانتقال إلى الجولة الثانية من التصويت. ويأتي ترشيحه مثل إبراز حضور الفصيل المؤيد لأحمدي نجاد، ذلك الفصيل الذي يحاول إيجاد مزيج من الإسلام والقومية الفارسية باعتباره نسخة جديدة من الإسلاموية الراديكالية الإيرانية. وزعيم هذا الفصيل هو الملا الغامض المدعو حسن يعقوبي الذي ألف بالفعل أربعين كتابا ولكنه نادرا ما يظهر في العلن. وفي عامه الأخير من رئاسة البلاد، اختلف محمود أحمدي نجاد علانية مع علي خامنئي، واشتد انتقاده في الشهر الأخير من رئاسته لشخص المرشد الأعلى بسبب أساليبه الديكتاتورية المزعومة. ولا يزال الفصيل المعروف بـ«أيتام رفسنجاني» يأمل بأن يُسمح لروحاني بالترشح لفترة رئاسية جديدة. ولكن ذلك الفصيل، ومن واقع التخطيط لمواجهة أسوأ السيناريوهات إن لم يفلح روحاني، بدأ يدفع بالكثير من المرشحين المحتملين الآخرين. ومن بينهم وزير الصحة السابق مسعود بيزيشكيان، ووزير الطاقة السابق بارفيز فتاح، وعضو المجلس الإسلامي الأسبق مصطفى كوكبيان. ويملك «أيتام رفسنجاني» دوائر قوية في طهران والكثير من المدن الكبرى الأخرى، ولكن قد يواجه صعوبة خاصة في الحصول على أغلبية مباشرة. وفي الانتخابات الرئاسية الأخيرة، فاز روحاني بنسبة أعلى بقليل من 50 في المائة من مجموع الأصوات، وهو أصغر هامش مسجل للفوز في تاريخ الانتخابات الرئاسية في إيران. وبرغم ذلك، لدى ذلك الفصيل أكبر ميزة من حيث السيطرة على وزارة الداخلية، الأمر الذي لم يتمكن منه خلال السنوات الأربع الماضية. وتعتبر هذه الوزارة مسؤولة عن كافة جوانب الانتخابات الرئاسية من يوم الاقتراع وحتى يوم الإعلان عن النتائج. ويمكنها، كما فعلت في الماضي، «إدارة» نتائج الانتخابات لكي تتناسب مع الخطة الموضوعة مسبقا. وكما تبدو الأوضاع الآن، يبدو من المرجح أن الفصيل الأكثر تشددا، المرتبط بعلي خامنئي، يرغب في استعادة السيطرة على مؤسسة الرئاسة، والتخلص من روحاني، على الرغم من خبرته الطويلة في الخدمة داخل الأجهزة الأمنية، ومع رحيل الرئيس أوباما، قد تبنى الآن سياسة علي خامنئي الخارجية التي تقضي بالتوجه شرقا. وعلى الرغم من ذلك، سوف يكون من الحكمة أيضا التخلص من حسن روحاني لسبب واحد، إن تم حرمانه من فرصة الترشح الثانية، فإنه قادر على تقسيم المؤسسة الحاكمة في إيران في وقت محفوف بالمخاطر وبشكل خاص.