×
محافظة المنطقة الشرقية

(أبو عدنان) وعز الخيل صنوان لا يفترقان!

صورة الخبر

كابل: محمد الشافعي في شهرانو (المدينة الجديدة) القريب من حي السفارات الغربية بالعاصمة كابل، الذي كان يقطنه الأفغان العرب في زمن طالبان وأيام الجهاد ضد الروس، تزدحم المراكز التجارية في المولات الحديثة، ذات الواجهات الزجاجية الزرقاء، مع البنوك الأجنبية التي تتعامل باليورو والدولار. هذا الحي الراقي يزدحم أيضا بالفنادق الفاخرة، لكن قبل يوم واحد من الانتخابات الرئاسية بات خاليا من المارة بسبب البرد والمطر وتهديدات طالبان التي تعد بعرقلة الانتخابات بتفجيرات انتحارية في وسط العاصمة بحثا عن نصر إعلامي مزعوم. ولكن ما إن أغلقت مراكز الاقتراع أبوابها حتى تحول وسط العاصمة إلى خلية نحل من المتسوقين ومن الأفغانيات اللاتي خلعن البرقع الأزرق الذي ساد وانتشر في عهد طالبان لصالح الحجاب الذي اتخذ ألوان الطيف فوق رؤوسهن في الطرقات وفي أماكن العمل ومكاتب شركات الطيران بوسط العاصمة. الحجاب حل محل البرقع، وترى الأفغانيات يتمخطرن بعد صلاة العصر. قلة منهن سافرات، لكن في الأغلب محجبات يمشين بدلال وبوجه صبوح إلى المحلات ومتاجر الأقمشة النسائية وملابس العرائس، والبوتيكات الجديدة حيث المقاهي التي تقدم الإكسبريسو والكابتشينو والآيس الكريم والشاي الأخضر في مول جديد اسمه صافي لاند مارك. بداخل المكان فندق فاخر من درجة الخمسة نجوم وعلى أحدث طراز، وبه 130 حجرة، وحمام تركي وساونا في الدور الثامن، وعشرات من المتاجر الصغيرة في الدور الأرضي، تبيع العطور النسائية والبلوزات الملونة. يملكه الحاج عبد القدوس وهو من قدامى المجاهدين الأفغان. الحاج عبد القدوس، يملك أيضا شركة طيران تسير عددا من الرحلات يوميا بين دبي وكابل لأكثر من عشرة أيام. وفي الفندق مطعم حديث اسمه «المغرب» يقدم الأكلات المغربية والنارجيلة، ويقبل عليه الصحافيون الأجانب وأيضا الشباب الأفغان. ورغم الإجراءات الأمنية المشددة حول مداخل الفندق والمركز التجاري الذي يحمل نفس الاسم، إلا أنه مزدحم بالزائرين، ويبدو أن سكان كابل باتوا لا تخيفهم تهديدات طالبان وعملياتها التي تستهدف في الأغلب الأجانب. وفي شارع شهرانو، المتقاطع مع الشارع السياحي الذي يعرف باسم «تشيكن ستريت»، تنتشر البوتيكات ومحلات بيع العطور النسائية والرجالية والأزياء الحديثة. أما العمامة السوداء التي سادت في كابل أيام الحركة الأصولية فقد حل محلها «الباكول» الأقرب إلى الطاقية أو «البيريه» الذي أصبح يغطي تقريبا كل الرؤوس، مستعيدا مكانته التي أزاحتها عنه حركة طالبان. أما اللحية التي كانت طالبان تشترط أن يكون طولها قبضتين فلا تستهوي الشباب، وبات هؤلاء يتفنون اليوم في موضات قص شعورهم، والبعض يترك شعره يتدلى فوق الكتفين وأغلب صغار السن اليوم دون لحية. ما زلت أتذكر محمد طيب أغا مدير مكتب الملا عمر المطلوب أميركيا، الذي كان يتحدث العربية بطلاقة، عندما طلبت لقاءه في قندهار قبل الهجمات بستة شهور تقريبا لإجراء مقابلة مع الملا. قال لي بالحرف الواحد آنذاك «كيف تدخل على أمير المؤمنين ولحيتك أقل من قبضتين، هذا عيب وليس من تقاليدنا، ابق معنا حتى يدبر الله أمر لحيتك». أما البرقع الأزرق، الذي غطى وجوه الأفغانيات وأجسامهن، فلا يزال ثابت القدم في خارج كابل، في باميان ولاشكارجار وهلمند وقندهار وأرزوجان وأسعد أباد وهراة، أي في الولايات البعيدة عن العاصمة، لكنه لم يعد الزي الوحيد في الشارع، وأحيانا تشاهده في الشارع والأحياء الشعبية أيضا، ولكن سارت إلى جانبه أزياء أخرى تراوحت بين الاعتدال والتطرف في الاتجاه المعاكس. وتقول شاكرية رحيمي، وهي حسناء بشتونية الأصل غير متزوجة مديرة مدرسة لعلوم الرياضيات والكومبيوتر في شارع ماكرويان بوسط العاصمة كابل وهي تلبس حجابا أسود رقيقا، إن البرقع ليس تقليدا أفغانيا بل جاء إلينا من الهند، وتشير إلى أن الجديد في أن البرقع اليوم يأتي إلينا من الصين، أي يصنع هناك. وتوضح أن معظم أبناء الجيل الجديد من فتيات الثانوية العامة أو طالبات الجامعة حاسرات وكاشفات الرؤوس. وبعد 13 عاما من الإطاحة بحركة طالبان الأصولية من الحكم في أفغانستان، تغيرت الكثير من المظاهر الاجتماعية والثقافية. وهناك اليوم حبيبة سرابي المرشحة لمنصب نائب رئيس الجمهورية على قائمة المرشح الرئاسي زلماي رسول. وهي حاكمة سابقة لولاية باميان، ووزيرة دولة لشؤون المرأة في أول حكومة شكلها الرئيس الأفغاني حميد كرزاي، الذي بقي في منصبه طوال 13 عاما، حقق فيها كثيرا من الإنجازات. سرابي مفعمة بالأمل في تحقيق مزيد من الإنجازات لصالح المرأة. «الشرق الأوسط» التقتها في منزلها بحي حج نبي القريب من قصر دار الأمان. وأكدت أنها تسعى لأن تتولى النساء عددا من الحقائب الوزارية، مشيرة إلى وجود 68 نائبة في البرلمان، «كثيرات منهن يحملن مشكلات وهموم المرأة على عاتقهن». ومن أبرز الحقوق التي نالتها النساء في أفغانستان بعد الإطاحة بنظام طالبان، حرية الخروج إلى الشارع والأماكن العامة دون مرافقة ولي الأمر أو أحد رجال الأسرة، مثل الأخ أو الأب أو الزوج، ولم يعد البرقع اليوم رداء إجباريا كما كان على عهد طالبان. وصورة طالبان السياسية لا تختلف كثيرا عن صورة طالبان الاجتماعية في الإعلام العالمي والعربي، والمرأة في ظل طالبان مجرد شيء من الأشياء، محرومة من أدنى حقوقها، قالت سرابي. واليوم في كابل تنتشر ظاهرة «بيوت الضيافة» لإيواء الصحافيين ورجال الإعلام ومسؤولي المنظمات غير الحكومية والدولية. وهذه تتناثر قريبا من وزير أكبر خان، حي السفارات الغربية، ومبنى محطة تلفزيون «تولو»، التي تعتبر انفجارا في سماء الإعلام الأفغاني. القناة تقدم اليوم نسخة أفغانية من «ستار أكاديمي» للعام التاسع على التوالي، وكذلك نسخة من برنامج «ذا فويس» لاكتشاف المواهب الغنائية، وهي محطة خاصة تقدم برامجها بالبشتو والداري. وأغلب بيوت الضيافة أو الفنادق الصغيرة هذه الأيام تحت الحراسة المشددة، ويقف الحراس وأغلبهم من وادي بانشير، مثل شيرزاد ولي الدين حارس فندق صافي لاند، وأيديهم على الكلاشينكوف. ونصحني شيرزاد كلما أوقف سيارة تاكسي أن لا أتأخر في الليل خوفا من عمليات الاختطاف من قبل عصابات خارجة على القانون أو عناصر طالبان، وكان يثير الخوف في قلبي وهو يسلم علي قبل أن أستقل التاكسي ويقول «يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة» ويأخذ رقم سيارة التاكسي كنوع من الاطمئنان. وبعد 13 عاما من سقوط طالبان أصبحت العاصمة كابل حافلة بالمفاجآت، فيلات فخمة ومكاتب في بنايات عالية بواجهات زجاجية زرقاء اللون جديدة مسورة بواجهات تحاكي عمارة لندن. وأسواق مليئة بالبضائع، ومقاهي إنترنت، وصالونات تجميل، ومطاعم بيتزا. وهناك مركز تجاري ضخم يحمل اسم إسطنبول في شارع شهرانو، معظم متاجره تقدم البضائع التركية مثل متجر بيكو للأدوات الكهربائية، ومتجر استقبال للمفروشات وطابق خاص يقدم أطباق المأكولات التركية، وهمبرغر وكباب وحلويات، وهو مزدحم بالأفغان من جميع الفئات الشعبية، ولم يحدث من قبل أن تعرض لأي هجوم من طالبان، باعتبار أن من يتردد عليه هم من المسلمين. وليس ببعيد عن شارع شهرانو يوجد مطعم هراة، منذ أيام طالبان. في الازدحام المروري تشاهد الكثير من سيارات الدفع الرباعي، وتسمع الموسيقى الصاخبة المنبعثة من محطات إذاعات كابل الجديدة، وهذه تكون مختلطة مع هتافات الأطفال وهم يبيعون الصحف والعلكة ومناديل الورق، وهم يتنقلون بين السيارات في تقاطع الطرق. كنت أشعر كأنني في زحمة القاهرة بين شعب يزدهر في ظل اقتصاد العولمة. وفي حي وزير أكبر خان هناك فيلات فخمة تحت حراسة مشددة وبعض الشوارع مغلقة أي لا يمكن المرور منها إلا بعد إذن خاص، لكنها في شوارع ضيقة للغاية وغير مرصوفة وممتلئة بمياه الأمطار الآسنة والحفر. وقال مرافقي خبير الشؤون الأفغانية محمود رحيمي «هنا حي الأغنياء الجدد من أمراء مسؤولي المنظمات الدولية». إن ما يحدث اليوم في الشارع الأفغاني ردة عنيفة عما عانى منه المواطنون خلال عهد الحركة الأصولية التي تريد اليوم، في هلمند وأرزوجان وموسى قلعة وضواحي قندهار، إعادة عقارب الساعة إلى الوراء. فالموسيقى والرقص والغناء والتلفزيون والتدخين في المدن الأفغانية كان حراما، فجميعها كان محظورا، ومنذ وصول طالبان إلى الحكم عام 1996 تم إغلاق دور السينما وتحويلها إلى مساجد، كذلك تم إغلاق مراكز الفيديو، ومنع البث التلفزيوني. أما المصورون الفوتوغرافيون واسمهم «عكاسي» فقد انقرضوا تقريبا. وتخصص الباقي منهم في التقاط صور جوازات السفر فقط، المسموح بها طبقا لـ«فقه الضرورات» المستمد من قواعد الشريعة الإسلامية ويمنع طبقا لفتاوى رسمية تصوير ذوات الروح لأنه يخالف العقيدة والسنة. ولم يكن يسمح لسائقي التاكسيات أو عربات الركشا وهي عبارة عن دراجة نارية، بها صندوق يحمل شخصين من الخلف، حمل سيدات مكشوفات الوجه، وإلا تعرض للعقاب من قبل مسؤولي وزارة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. واعتبارا من العاشرة مساء كان جميع الأفغان يلزمون بيوتهم باستثناء مسلحي طالبان الذين كانوا يجوبون الشوارع المظلمة وفي أيديهم الكلاشينكوف والريجنوف الخفيف، ولكن يتم السماح للمرضى بالمرور وكذلك حالات الولادة العسرة بالتوجه في أي وقت من الليل إلى المستشفيات. وتنتهي ساعات الحظر الليلي مع صوت الأذان لصلاة الفجر أي في الرابعة صباحا. وغالبية البراقع في أفغانستان زرقاء اللون، ولا أحد يعرف على وجه الدقة لماذا اللون الأزرق بالذات، لكن في مدينة مزار الشريف بشمال أفغانستان يوجد البرقع الأبيض. وفي بعض محلات كابل توجد براقع خضراء اللون، وصفراء وحمراء، لكن غالبيتهم يباع كهدايا تذكارية للأجانب. في شارع «تشيكن ستريت» الذي يرتاده السياح ورجال الإعلام، وفي المول التجاري الملاصق لفندق صافي لاند مارك، تعرفت «الشرق الأوسط» على أحد أصحاب المتاجر التي تبيع ملابس العرائس المشغولة، وكذلك طرح الباشمينا التي يستخدمها الفتيات. وكانت الأسعار على غير العادة غالية، ربما لأن المتجر في مركز تجاري يرتاده الأثرياء. وعلى خلاف البرقع الطويل الذي كانت الأفغانيات ترتدينه، بات البرقع الذي تريديه النساء الأفغانيات اليوم، أقصر في الطول وألوانه أكثر تنوعا، وغالبيته يغطي الرأس والرقبة والكتفين والصدر، مما يجعله عمليا ومريحا، كما يعطي علامة على التحرر النسبي التي باتت الأفغانيات تتمتع به في المجتمع. وتتمسك الكثير من الأفغانيات بارتدائه ويشعرن أنهن لا يستطعن المشي في الشارع من دونه، لأنهن تعودن عليه، كما ترتديه بعض النساء لإظهار معارضتهن للتشبه بالغرب في تقاليده وثقافته.