التنجيم أصبح هذه الأيام تجارة ناجحة بنسبة ١٠٠ في المائة لسبب بسيط وهو البحث الدائم وراء الغيبيات والخوف منها في مُحاولة من الإنسان للمَعرفة الفعلية للمستقبل خاصة في ظل ما يَعيشه الآن من ضغوط وتَوتر دائم، وهذه الظاهرة ليست وليدة اللحظة أو هذه الفترة، بل هي منذ الأزمنة الغابرة بمختلف حضارتها وثقافتها، حيث استنبط الإنسان طرقاً عدة يحاول من خلالها رؤية واستبيان المستقبل لعله يَصل لحَدث ما يَرجوه أو يتمنى تغيره. ومما لا شك فيه أن هناك أحداثاً أو أسئلة تدور في رأس من يُحاول الدخول في متاهة هذه التجربة ويَتمنى أن يجد لها إجابات تُريحه وبالتأكيد تكون على هَواه، لذا عندما تذهب لهؤلاء المُنجمين سواء وجهاً لوجه أو عن طريق مُحادثة هاتفية لا بد وأن يُدخلك في عَالَمه أولاً حتى تصدقه وتؤمن به وتأتي بما عندك ليَجد لك الحل الذي تَرجوه، وإن أمعنت قليلاً ستجد أن هذا الدجال أخرج الحل من فمك وأثناء حديثك وأنت لا تَدري فهذا الدجال الحاذق من خلال سرعة البديهة والحضور الذي لا بد وأن يتميز بهما يجعلك بل يُجبرك على تفريغ مُحتويات شريط حياتك الذي تود أن تجد له حلاً، فالدجال شخص ماهر في استنطاق واستدلال الأحداث يتمتع بكاريزما خاصة حددها لنفسه لا يُنافسه عليها أحد ولو بَحثت وراءهم ستجدهم يحققون ثروات هائلة وأرباحاً خيالية بفضل هذه المهنة وبفضلك أنت والذي أتحت بدون قصد له الفرصة لذلك، فهل نَفهم اللعبة ونتفاداها أم أن الاستمرار في الخُضوع سيكون هو الحليف دوماً. ولو أننا حاولنا الدخول لتحليل تلك الظاهرة سنجدها علمياً مرفوضة لأنها تفتقد للدراية والمعرفة ولكن أيضاً على النقيض هناك من التوقعات ما هو منطقي وهي التي تَستند إلى ثوابت علمية دقيقة كتلك الأبحاث والدراسات التي تُعنى بعلم الاجتماع وعلم الفلك والجيولوجيا والدراسات المناخية لكوكب الأرض وغيرها من العلوم التي تقوم على أبحاث متعمقة لمعرفة ما قد سَيحدث مستقبلاً من تَغيرات مُناخية أو جيولوجية مثلاً، والفرق حتماً كبير بين رجل العِلم الدارس والعَالم ببواطن الأمور وبين قارئ الطالع الدجال الذي يلعب بالعقول، لأن رجل العِلم يَستند إلى المُعطيات والبراهين العقلانية بَينما يعتمد المٌنجم على التقديرات الذاتية والتي تَخلو من الموضوعية وأحياناً تفسيرات غير منطقية، إنهم في الغالب يَنسبوها إلى الحَاسة السادسة هكذا يقول المنجمون دوماً ولكن ماذا يَقول المُتلقي الذي وجد ضَالته لدى هذا الدجال، إن هناك الكثير منهم سيعتقدون، بل سَيؤمنون بالكلام وإن لم يحدث فعلياً وهناك القليل منهم سيكذب أو حتى لن يَتقبل وربما يستهزئ بما قِيل له، ولكننا نلتمس العُذر لمن وقع فريسة للمنجمين لأن هناك قوة خفية تجعله يفكر فيما قِيل له ولأنه فى الأساس شخصية مَهزوزة تَركت العقل وذهبت للدجل فعندما يَختلي بنفسه محدثاً إياها «لماذا لا أُصدق» وهذا طبيعي لأن كلام المنجم الأخطبوط سيظل في ذاكرته وسَتبقى هذه المعلومات مُخزنه في عقله الباطن لتكون له مَرجعاً مُستقبلياً يُلح عليه ويدفعه، والمصيبة أن حدثاً مُصادفاً ما توقعه له الدجال سيكون حِينها حَبيس كلامه وسيصدقه دوماً ولن يعرف أو يَقتنع أن ذلك كان مُجرد مصادفة لا أكثر ولا أقل، وفي نظري الحل الأمثل لتلك الظاهرة هو تجنبها من الأساس بكل أشكالها من قراءة الطالع وسماع التنبؤات ومُطالعة صفحات الجرائد التي تُعنى بهذا الشأن وترك تلك الخزعبلات والحيل المَاكرة التي تَستنزف العقول والجيوب معاً، بل والعمل على مُحاربتها وقراءة القرآن والتقرب إلى الله ولنتذكر أن المنجمين كاذبون حتى ولو صَادف كلامهم الصواب