صعود الأسهم الأمريكية وارتفاع الدولار، اللذان استثارهما انتخاب دونالد ترمب، يبدوان الآن فوق مستواهما المريح، وسط شكوك حول قدرة الرئيس على تحقيق تحفيز اقتصادي من المالية العامة، على نحو يستطيع أن يبرر أسعار الأسهم العالية. المزاج المتغير دفع بالأموال إلى الأسواق الناشئة والأسهم الأوروبية، فتمتعت عملات الأسواق الناشئة بأداء مذهل في آذار (مارس)، ووصلت تدفقات الأموال إلى أوروبا إلى أعلى مستوياتها منذ أكثر من سنة. كذلك ساعد ظهور مؤشرات على نمو قوي في الصين في رفع الأسواق، خصوصا أسواق السلع. لكن لأن تخفيف الإنتاج من "أوبك" يعمل على تشجيع صناعة النفط الصخري الأمريكي على إنتاج المزيد، فإن آفاق أسعار النفط يحوطها اللبس بشكل خاص. على هذه الخلفية نلقي نظرة، من خلال المحللين ومديري الأصول، على المخاطر والفرص خلال الأشهر الثلاثة المقبلة. بداية، يلاحظ محللون أن التفاؤل بخصوص قدرة البيت الأبيض والكونجرس الذي يسيطر عليه الجمهوريون على تحقيق الخطط المؤيدة للنمو، مثل إجراء تخفيضات كبيرة في الضرائب، يجري التشكيك فيه الآن في أعقاب الفشل في تحقيق إصلاحات مقترحة في الرعاية الصحية. الحذر الذي يبديه المستثمرون يتضح في أفضل القطاعات أداء في مؤشر ستاندرد آند بورز 500 هذا العام، حيث أسهم شركات التكنولوجيا والرعاية الصحية – وهي من العلامات البارزة في تداولات ترمب – تقود المجموعة، لكن الأسهم الدفاعية، مثل شركات المنافع، تتفوق على أسهم القطاعات المستفيدة من أجندة ترمب، مثل الشركات المالية. في الوقت الذي يراقب فيه المستثمرون الكونجرس والبيت الأبيض وهما يحاولان أن يدرآ عن نفسيهما مهمة التشريع، فإن البيانات الاقتصادية وأرباح الربع الأول، إلى جانب الإرشاد من الشركات الأمريكية، ستساعد على تشكيل المزاج العام. وستبدأ الشركات في الإبلاغ عن أوضاعها المالية في أوائل نيسان (أبريل) الجاري.يقول جوريان تيمر، مدير الاقتصاد الكلي العالمي لدى شركة فيدليتي لإدارة الأصول: "إذا لم نحصل على الإصلاح الضريبي، فهل يعني هذا أن الأسواق ستظل عرضة للمخاطر بلا حراك؟ من وجهة نظري هي ليست كذلك. الأسواق متينة للغاية، والأمر لا يتعلق كله بواشنطن". عامل مهم آخر في واشنطن هو الاحتياطي الفيدرالي. بعد قراره برفع أسعار الفائدة في الشهر الماضي، فاجأ البنك المركزي السوق بالمحافظة على نظرة حذرة بالنسبة للسنة المقبلة. الحذَر الذي يبديه الاحتياطي الفيدرالي، إلى جانب الشكوك التي تحيط بمقدرة ترمب على تنفيذ أجندته، كانا كافيين لدفع العوائد على سندات الخزانة الأمريكية إلى مستويات أدنى، والدولار إلى التراجع. لكن بعضهم يشعر بالقلق من أن الأسواق تبدو وكأنها متهاونة بشأن سياسة الاحتياطي الفيدرالي. فأي علامة على أن التضخم يكتسب قوة دفع، وأن سوق العمل آخذة في الضيق أكثر، يمكن إلى حد كبير أن تستثير إعادة تقييم للنظرة الحالية التي ترى أن الاحتياطي الفيدرالي سيرفع أسعار الفائدة مرتين فقط هذا العام. وعلينا ألا ننسى أن سوق السندات في أواخر شباط (فبراير) لم تكن تتوقع قرار رفع أسعار الفائدة في آذار (مارس). يقول وليام أودونيل، وهو محلل لدى "سيتي": "هناك شعور متزايد بعدم الارتياح في الوقت الذي ندخل فيه إلى الربع التالي، بحيث أننا نشهد بعض الاندماج في البيانات الاقتصادية الصلبة والناعمة (...) لكن لا يزال هناك الكثير من التهاون". من جانبها، شهدت أصول الأسواق الناشئة أداء قويا في الربع الأول، سواء من حيث النمو الاقتصادي الحقيقي أو تدفقات رأس المال الاستثماري الداخلة. ارتفع نمو الناتج المحلي الإجمالي بين جميع الاقتصادات الناشئة ليصل إلى متوسط 4.4 في المائة خلال الأشهر الثلاثة الأولى من العام، مرتفعا بذلك عن مستوى 4.1 في المائة خلال الربع الرابع من عام 2016، وفقا لتقرير "تعقب" غير رسمي من تجميع مؤسسة كابيتال إيكونومكس للبحوث. ولا يشكل هذا المستوى ارتفاعا لثلاث سنوات متتالية فقط، بل هناك دلالات على أن الزخم آخذ في الانتشار من الصين إلى أمريكا اللاتينية وأوروبا الشرقية.وأي تصاعد في النزعة الحمائية التجارية في أمريكا، لا سيما مع الصين، سينطوي على تخفيف الشعور بالبشر والسرور لدى الأسواق الناشئة، بحسب ما يقول المحللون. لكن بالنسبة للوقت الراهن يعمل المستثمرون على تكثيف تعاملهم مع البلدان النامية، مدفوعين بنمو التجارة الأسرع منذ سبع سنوات، وانحسار الضغوط التضخمية في بلدان الأسواق الناشئة. وقد حقق إصدار السندات السيادية من قبل الأسواق الناشئة رقما قياسيا فصليا أعلى من أي وقت مضى في الربع الأول، في الوقت الذي كانت فيه تدفقات رأس المال الاستثمارية إلى أسهم الأسواق الناشئة قوية.أوروبيا، الرهانات تبدو عالية بالنسبة لليورو في وقت تتجه فيه فرنسا إلى جولة انتخابية في 23 نيسان (أبريل) الجاري. ويتابع المستثمرون الانتخابات بمنتهى القلق بعد صدمة "خروج بريطانيا" وفوز دونالد ترمب برئاسة الولايات المتحدة.ويعتبر انتصار الجبهة الوطنية، بزعامة مارين لوبن، أمرا أقل احتمالا، لأن المنافسة الفرنسية ستكون على مدى جولتين من التصويت.يقول ستيفن ماكلو - سميت، رئيس استراتيجية الأسهم في أوروبا في "جيه بي مورجان لإدارة الأصول": "إذا فازت لوبن وأصبحت رئيسة لفرنسا في أيار (مايو)، فإن ذلك سيشكل تهديدا وجوديا لليورو".ويضيف: "لكننا نعتقد أن المعيقات التي ستحول دون فوزها عالية جدا. في الجولة الأولى، مقابل طيف سياسي مهشم ومجزأ، سيكون أداؤها جيدا، وربما تحصل على أعلى الأصوات في استطلاعات الرأي، لكن في جولة الإعادة من المحتمل أن تخسر أمام مرشح من الوسط (...) أعتقد أن فرص تفكك منطقة اليورو عام 2017 ضئيلة".في غضون ذلك ازدادت التوقعات بأن البنك المركزي الأوروبي سيكون قادرا على رفع أسعار الفائدة قبل نهاية العام، وسيتركز الاهتمام على أي علامات بوجود مزاج عام أكثر تشددا في مجلس المحافظين وتقليص برنامج شراء السندات الخاص به.ومن المحتمل أن تكون هناك قيود على مجال المناورة المتاح لرئيس البنك المركزي الأوروبي، ماريو دراجي، بسبب قرب إجراء الانتخابات الفرنسية - تصويت الجولة الأولى يجري قبل أربعة أيام من اجتماع مقرر للبنك في 27 نيسان (أبريل). إضافة إلى ذلك، هناك تراجع في مستويات التضخم المرتفعة التي ساعدت على تعزيز توقعات السوق بحدوث الانسحاب.يقول كارستن برزيسكي، كبير خبراء الاقتصاد في "آي إن جي": "الانتقال من الانسحاب التدريجي إلى أول زيادة في أسعار الفائدة يتطلب ارتفاعا في معدلات التضخم، وارتفاعا في الأجور، وزيادة في تعزيز الانتعاش الاقتصادي".ويتابع: "والتسلسل المحتمل للخروج – بمعنى أن يكون هنالك رفع لأسعار الفائدة قبل أو بعد نهاية برنامج التسهيل الكمي - من المحتمل أن يبقى موضوعا للتكهن في السوق فترة من الوقت".في تطور آخر، ينبغي لمراقبي مسألة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي تقسيم هذا الربع إلى ثلاثة أقسام - أربعة أسابيع من الهدوء، يليها مؤتمر قمة الاتحاد الأوروبي الذي يجب مراقبته في 29 نيسان (أبريل)، ومن ثم فترة من اضطرابات السوق في الوقت الذي يحاول فيه المستثمرون استيعاب المناوشات الأولى من المفاوضات.الأسئلة التي تظهر مبكرا هي: ما مدى جدية اجتياز الخطوط الحمراء لدى كل طرف، ولا سيما قضية المفاوضات المتتابعة الشائكة؟ واستطرادا، هل الخوف الأكبر لدى السوق، وهو سيناريو "عدم التوصل إلى اتفاق"، بات ممكنا؟ويفترض أن يواصل الجنيه الاسترليني تداوله بشكل غير متقلب دون تجاوز نطاق 1.20 – 1.27 دولار، في الوقت الذي تبقى فيه العائدات منخفضة على سندات الحكومة البريطانية والأسهم البريطانية، مدفوعة بعوامل أخرى مثل النمو العالمي، وسعر النفط، وأنشطة الاندماج والاستحواذ.وستزودنا البيانات بالاختبار الرئيس المقبل للجنيه. هل سيواصل الاقتصاد مقاومة حالة اللبس المرتبطة بمسألة "خروج بريطانيا"، وإن كان الأمر كذلك فكيف ستكون استجابة بنك إنجلترا؟سيكون للعناوين الرئيسة المطروحة في المفاوضات شأن وأهمية، لكن ليس بقدر أهمية تقرير التضخم الذي سيصدر عن بنك إنجلترا في 11 أيار (مايو) واجتماعه التالي في منتصف حزيران (يونيو). على صعيد آخر، قضى النفط فترة الربع الأول وهو يختبر مدى صمود حدود "نطاق النفط الصخري" – أي الفكرة التي تقول إن النفط الخام محاصر بين السعر الذي يؤدي إلى إخراج شركات التكسير الهيدروليكي الأمريكية من المنافسة وبين المستوى الذي تُغرِق فيه السوق.هذا النطاق ضيق بشكل متزايد، فأقل من عشرة دولارات للبرميل تفصل بين سعر خام برنت المرتفع، البالغ 58.37 دولار، وسعره المتدني، البالغ 49.71 دولار خلال الأشهر الثلاثة الماضية. منظمة أوبك التي أصيبت جهودها لدعم السوق من خلال خفض العرض بالضعف بسبب انتعاش صناعة النفط الصخري، تأمل في وجود طلب أقوى في فترة ما قبل الصيف بحيث يقدم لها ذلك دعما هي في أمس الحاجة إليه.وستجتمع المنظمة في 25 أيار (مايو) للاتفاق على ما إذا كان الأعضاء يريدون التأكيد على تخفيض الإمدادات التي تم الاتفاق عليها مع حلفاء، مثل روسيا، في أواخر العام الماضي.وترغب منظمة أوبك في رؤية مخزونات ضخمة من النفط الخام والمنتجات النفطية على المستوى العالمي وهي تبدأ في التراجع، حتى تستطيع أن تقيم الدليل على أن النفط الصخري وحده لا يمكنه أن يحل محل إمدادات المنظمة.Image: category: FINANCIAL TIMESAuthor: جو رينيسون ومايكل هنتر من لندن وروجر بليتز وجيمس كينج من نيويورك وديفيد شيبارد من فرانكفورتpublication date: الاربعاء, أبريل 5, 2017 - 03:00