الدّين ثورة فكرية تقود الإِنسان إلى الكمال، والرقي في جميع المجالات في ظل الإِيمان بالله الذي لا ينفك عن الإِحساس بالمْسؤُوليَّة. فهو إصلاح للأَفكار والعقيدة لأن الانسان المفكر لا يتمكن من العيش بلا عقيدة، حتى الذين يرفعون أصواتهم بالإِلحاد، لا يتمكنون من العيش بلا عقيدة في تفسير الكون والحياة. إِنَّ الدين يفسر واقع الكون، وجميع الأَنظمة المادية بأَنّها إِبداع موجود عال قام بخلق المادة وتصويرها وتحديدها بقوانين وحدود، وأخضعه لنظام دقيق، فالجاعل غير المجعول، والمعطي غير الآخذ. كما أَنَّه يفسر الحياة الإِنسانية بأَنّها لم تظهر على صفحة الكون عبثاً، ولم يُخلق الإِنسان سدى، بل لتجعله في هذا الكون غاية عليا يصل إليها في ظل هداية الأَنبياء المبعوثين من جانب الخالق لهداية المخلوق. غير أَنَّ المادّي الملحد يحاول تفسير الكون بشكل مغاير، فيرى أنَّ المادة الأُولى قديمة بالذات، وهي التي قامت فأَعطت لنفسها نظماً، وأَنَّه لا غاية لها، ولا للإِنسان القاطن فيها. فالكون في نظرية الإنسان المؤمن له بداية ونهاية؛ فنشأته من الله سبحانه، كما أَنَّ نهايته إليه، بينما هو في نظرية الإِنسان المادي الملحد فاقد للبداية والنهاية، كما أَنَّه لا يتمكن من تفسير نهايته وغايته. إن اليقين بأنَّ البداية من الله، وأنَّ النهاية إليه، تبعث على معرفة الغاية من ذلك الوجود، وعلى هذا الأساس يكون للدّين دور في تصحيح الأفكار والعقائد، ومن خلال المقارنة بين الفكر المؤمن والمادي الملحد يعلم الإِنسان أنَّ التكامل الفكري إنّما يتحقق في ظل الدين؛ لأنّه يكشف آفاقاً واسعة أمام عقليته وتفكيره، في حين أنَّ الملحد المادي يملأ الذهن بالجهل والإبهام، بل يقوده إلى الخرافات، إذ كيف يمكن للمادة أن تمنح نفسها نُظُماً؟ وهل يمكن أن تّتحد العلّة والمعلول، والفاعل والمفعول، والجاعل والمجعول؟ إن العقائد الدينية تعد رصيدا للأصول الأَخلاقية إِذ التقيد بالقيم ورعايتها لا ينفك عن مصاعب وآلام يصعب على الإِنسان تحملها إلاّ بعامل روحي يسهّلها ويزيل صعوبتها عليه، كالتضحية في سبيل الحق، والعدل ورعاية الأَمانة، ومساعدة المستضعفين، فهذه بعض الأصول الأَخلاقية التي لا تنكر صحّتها، غير أَنَّ تجسيدها في المجتمع يستتبع آلاماً وصعوبات، كما يستتبع الحرمان من بعض اللذائذ، ولا ضمان لتحقق هذه الأصول إلا بالإيمان. إِنَّ الاعتقاد بالله سبحانه، وأنَّ في العمل بكل أصل من الأصول الأخلاقية أَجراً كبيراً يصل إليه الإِنسان في الحياة الأخروية، خير عامل لتحفيز الإِنسان وتشويقه على العمل بها، والتلّبس بها في حياته الدنيويَّة، ولولا ذاك الاعتقاد لأصحبت الأَخلاق نصائح وعظات جافة لا ضمان لتجسدها في الحياة. كما أن العقيدة الدّينية تساند الأصول الاجتماعية؛ لأنّها تصبح عند الإِنسان المتديّن تكاليف لازمة، ويكون الإِنسان بنفسه مقوداً إلى العمل بها. غير أنَّ تلك الأصول بين غير المتديّنين لا تراعى إِلاّ بالقوى المادَّية القاهرة، وعندئذٍ لا تتمتع الأصول الاجتماعية بأي ضمان تنفيذي، وهذا مشهود لمن لاحظ حياة الأمم المادّية غير الملتزمة بمبدأ أو معاد. إِنّ الدّين يعتبر البشر كلهم مخلوقين لمبدأ واحد، فالكل بالنسبة إليه حسب الذات والجوهر كأسنان المشط، ولا يرى أي معنى للتمييز والتفريق إلا بقدر الايمان والعمل بتلك العقائد والقيم والأخلاق. فالفطرة الإنسانية التي فطر الله الناس عليها جميعاً مستمرة مع الإنسان ولا تلغيها أو تبطل أثرها العوامل الوراثية أو البيئية وإن كان للعوامل البيئية أثر على السلوك الإنساني لكنها لا تلغي الإرادة الإنسانية ولا تلغي قدرة الإنسان على الاختيار بين البدائل. وإلا لكانت تلك العوامل تتنافى مع العدل الإلهي فليس بمقدور إنسان أن يختار أبويه ولكن بمقدوره أن يختار عقيدته بمحض إرادته بما وهبه الله من قدرات واستعدادات، فالفطرة الإنسانية من العوامل الرئيسة التي تأخذ بيد الإنسان وتسلمه للإيمان، وقبول ما جاء به الرسل عليهم السلام من الهدي الإلهي. مدير عام هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بمنطقة مكة سابقا