الأمل معقود على وزارة العمل في تحمل مسؤوليتها المنوطة بها ذاتها وبالشكل الصحيح، وأن تحسن إدارة دفة مسؤولياتها الفعلية التي نجم عنها -ولايزال- الكثير من الإشكاليات التي تعيق سوق العمل يُحكى أن قبيلة من بني ثعلبة أغارت عليها مجموعة من البدو الرُحّل، ونزلت في إحدى البئرين اللتين تمتلكهما تلك القبيلة، ولم يقابل فعلهم ذلك بالمقاومة أو الرفض من أهل القبيلة، وقد كان سيدهم غائباً، ولمّا عاد سيدهم قصّوا عليه قصتهم وما حدث لهم، فقال: وماذا صنعتم؟! قالوا: انتظرناك حتى تعود، فقال: هاأنا قد عدت، فماذا أنتم فاعلون؟! فقال أحدهم: سأنزل إلى السوق لأشتري سيفاً، وقال الآخر: سأبيع ما عندي لأشتري سيفاً، وقال الأخير: أما أنا فسآتي بعصاي. ومضت الأيام دون أن يحدث شيء يذكر، فدعاهم سيدهم مرة أخرى، وقال لهم: ماذا صنعتم؟! فقالوا له مثل ما قالوا في المرة الأولى، فقال: ما لي أسمع جعجعةً، ولا أرى طحناً؟!. ويضرب المثل كذلك في اللغة لمن يكثر كلامه، ويعلو صوته، ويقلّ عمله، أو لمن يتكلم كثيراً، ولا يعمل شيئاً، كما يضرب في البخيل الذي يَعِد و لا يفي بوعده. وفي ذات السياق فإن كل من يتكلم أو يكثِر الحديث في موضوع ولا يترجمه إلى إنجاز ملموس يوثّق به دعواه ويثبت قوله، فهو حديث مردود عليه، ويفتقد إلى المصداقية، خاصة إذا ما تكرر الفعل بالقول أو التصريح أو الإعلان في أي وسيلة كانت للنشر، وفي المقابل لا نلمس ما يوازيها من منجزات فعلية، وحلول تعالج مشكلات وتحديات نعاني منها؛ بل على النقيض من ذلك نجد أن تلك المشكلات تتفاقم وتزداد، وبما يؤكد أن تلك الأقوال أو البرامج التي يعلن عنها لم تكن مدروسة بعمق لتحدد أصل المشكلة حتى تقدم الحل المناسب لها، بل لم تكن تسعى إلى حل جذري للمشكلة، وإنما هي حلول مؤقتة يصاحبها بعض الصخب الإعلامي الذي ما يلبث أن يزول تأثيره وحضوره كفقاعة إعلامية، تستهلك لفترة من الوقت ليعيش المتابع لها على آمالها، حتى يكتشف أنها كسابقتها لم تقدم جديدا أو شيئا يذكر من الإنجاز، والأدلة الواقعية خير برهان، وذلك ينطبق على كثير من التصريحات والبرامج التي تدور حولنا من برامج التنمية الوطنية، سواء في إشكاليات سوق العمل والتعليم والتدريب، أو الإسكان وغيرهما من القضايا التي تؤرق المواطن، وتنتظر حلولا جذرية تتلاءم مع تطلعات المواطنين والقيادة العليا في تحقيق تنمية شاملة مستدامة، ينعم بها كافة المواطنين. ما بين فينة وأخرى تبادرنا وزارة العمل ببرامج وفعاليات تهدف جميعها إلى خدمة التوظيف، والحد من البطالة، والاهتمام بالتوطين في كافة المؤسسات في القطاع الخاص، وإن اختلفت مسمياتها فالمضمون واحد، والهدف المشترك يجمعها في خدمة التوظيف وتيسيره والتحفيز له ودعم التوطين ومتابعته، وذلك من خلال ما تضعه الوزارة من برامج مختلفة للحد من البطالة بصفة عامة، ومن تلك البرامج: صندوق الموارد البشرية «هدف» وحافز، وساند، وطاقات، وأخيراً دروب، والتساؤل المطروح: لماذا لا تتحقق وزارة العمل من جدوى برامجها وحجم منجزاتها ومردودها من تلك البرامج؟! وبمعنى آخر لماذا لا تجري الوزارة دراسة فعلية تستطيع من خلالها تقويم ما قدمته من حلول ومعالجة لإشكاليات التوظيف والتوطين والبطالة من خلال ما قدمته من برامج؟! إن ما تطرحه الوزارة من منجزات حققتها في الحد من البطالة وتيسير التوظيف وحل إشكاليات سوق العمل المختلفة، من خلال تلك البرامج التي لا تنتهي، لا يحمل في طياته مصداقية أو شفافية موثوقة، ولا نجد له ترجمة وحلولا ملموسة على أرض الواقع، بل إن ما تؤكده البيانات الرسمية لهيئة الإحصاءات العامة يناقض ذلك، إذ إن هناك نموا متزايدا في البطالة بين المواطنين، وانخفاضا في التوظيف للمواطنين، بل هناك تسريح مستمر للموظفين من المواطنين في القطاع الخاص، بل إن البطالة قفزت بين المواطنين ممن هم في سن العمل من 8,5% عام 2000، إلى 10,5% في العامين 2008، 2009، ثم إلى 11,5% و11,7% في العامين 2013 و2014م على التوالي، ثم سجلت نسبة 11,5% عام 2015 لترتفع بعدها إلى 12,1% في الربع الثالث من عام 2016؟!، وذلك في ظل برامج مستمرة لا تتوانى الوزارة في تصديرها للمواطنين مع إخفاق ملموس في المنجزات. نُدرك أن إصلاح سوق العمل والحد من البطالة ـ ولا نقول القضاء عليها، لأنها ظاهرة طبيعية توجد في جميع المجتمعات، ولكن بنسب مختلفة وظروف أخرى ـ ليس مسؤولية وزارة العمل وحدها، ولا تستطيع بمفردها إدارة دفة التوطين والتوظيف وإصلاح سوق العمل بجميع إشكالياته، إذ تشاركها مؤسسات الدولة بقطاعاتها المختلفة في معالجة تلك الإشكاليات، خاصة وزارة الاقتصاد والتخطيط المسؤولة عن وضع خطط التنمية بما يتوافق وأهداف الدولة وتطلعاتها التنموية وواقعها الديموجرافي، وبما يحقق أهدافها الإستراتيجية في جميع الميادين، وبناء على ما تتضمنه خطط التنمية من سياسات وإجراءات وبرامج ترتبط بالقطاعات المختلفة من الدولة والمنوط بها تنفيذ تلك البرامج وفق السياسات الموضوعة والأهداف المقصودة يكون تنفيذ تلك الخطة وترجمتها على أرض الواقع، وذلك يتطلب التنسيق بين كافة القطاعات، كلّ فيما يخصه في تنفيذ بنود خطط التنمية بحيث تعمل جميع القطاعات كمنظومة متكاملة تتحقق بمنجزاتها أهداف الدولة وتطلعاتها التنموية وأولوياتها الإستراتيجية. وبناء على ذلك فإن الأمل معقود على وزارة العمل في تحمل مسؤوليتها المنوطة بها ذاتها وبالشكل الصحيح، وأن تحسن إدارة دفة مسؤولياتها الفعلية التي نجم عنها -ولايزال- الكثير من الإشكاليات التي تعيق سوق العمل من النمو الصحيح في مساره الوطني الذي يخدم الدولة والمواطنين، ولعل من أهم مرتكزات إصلاح سوق العمل التي تتحمل مسؤوليتها الوزارة هو نظام العمل والعمال واللوائح، وما تتضمنه من بعض المواد والتفاصيل التي لا تخدم التوطين الذي تستهدفه الوزارة في برامجها، فهي تعمل وتجتهد في البرامج في حين أن القاعدة التي تعمل عليها من اللوائح والنظم هشة وضعيفة لا تخدم تلك التوجهات، ولا تدعمها هي كجهة مسؤولة عن تحقيق أهدافها وتطلعاتها التي تسعى إلى بلورتها كمنجزات ملموسة، والسبب أنها لم تعالج أصل المشكلة ولم تجري تغييرا وليس تعديلا على جميع بنود ونظام العمل والعمال بما يحقق أهدافها وأهداف الوطن وتطلعات المواطنين. يتضمن نظام العمل والعمال في مواده ولوائحه التابعة الكثير من البنود التي تنتظر المزيد من قرارات خدمة التوطين نظرياً وعملياً، للحد مما نسمع عنه من قصص وروايات لمواطنين مختلفي المستويات في التأهيل ومن الأدنى للأعلى وممن نفتخر بهم بكل مستوياتهم، لأن الأوطان تُبنى بجميع هؤلاء، وهم الأمل في البناء والمستقبل المنشود، وفي إطار محاولات الحكومة لدعم وزارة العمل في تحمل مسؤوليتها فيما يخصها للحد من البطالة والتوظيف، تم إنشاء هيئة توليد الوظائف ومكافحة البطالة، وذلك بموجب الموافقة الصادرة من مجلس الوزراء في 12 أكتوبر 2015 على تأسيسها، والمرتبطة تنظيمياً برئيس مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، ومن خلالها نترقب تحسنا نوعا وكمّا في معالجة إشكاليات سوق العمل والتوطين والحد من البطالة بما يُمهد مؤسسياً لتحقيق برامج التحول الوطني 2020 ورؤية 2030 بكافة تطلعاتها.